العاصمة عند نشأة حسن تعج بالوجوه القديمة والجديدة، فعاصر عهدين مختلفين تماما وشاهد استبدال سلطة بأخرى بطريق العنف والجبروت، وقد يكون له في العائلة والأقارب والجيران من طوحت بهم الأقدار بالنفي والإبعاد، فتكونت في نفسه كراهية الفرنسيين والخوف منهم وضرورة مجاملتهم إذا كان سيعيش في الجزائر ولا يكون مصيره مصير العلماء الذين سيقوا كالمجرمين إلى السفن المهاجرة عبر البحر.
كان المكتب العربي في البليدة يبحث عن قاض فوجده في حسن بن بريهمات، شاب عرف المدرسة الفرنسية في باكورتها، وصهر لعالم متصوف هو مصطفى الحرار، (مدرس في جامع صفر). وابن لأحد الخوجات السابقين. وكان الفرنسيون يقدمون من يعرف لغتهم ومن عاش في عهدهم على غيره، مهما كانت المؤهلات الأخرى، فوجدوا في هذا الشاب ضالتهم، وقد يكون ذلك أول وظيف رسمي له، ومهما كان الأمر فقد ظل يترقى في سلم الوظيف حتى وصل إلى عضوية المجلس الشرعي ومدير المدرسة الرسمية، وكان حسن من مستقبلي نابليون الثالث حين زار الجزائر، كان توليه القضاء في البليدة في ١٥ ابريل ١٨٥٣ بتعيين من الحاكم العام راندون، خلفا لمحمد الدلسي، وكان القضاء عندئذ منصبا سياسيا عند الفرنسيين لأن القاضي لا يمثل الشرع الإسلامي في الحقيقة ولكنه يمثل الدولة الفرنسية، كما أن سلطة القضاة المسلمين ما تزال ممتدة إلى المنازعات والتركات والتجارة ونحوها، ومن ثمة فالقاضي إنما هو رمز للسلطة الفرنسية (١).
ولكن وظيفه في القضاء كان دورة فقط، اكتشفه فيها الفرنسيون، ولاحظوا عليه الذكاء والمهارة والطموح، فاقترحوه لوظيفة أخرى ذات أهمية أوسع، سيما وأنهم كانوا مقبلين على تنظيم القضاء الإسلامي بما يناسب إدارتهم وسلطتهم، وفي اقتراح رئيس القطاع العسكري له سنة ١٨٥٥ ليكون
(١) عن تعيينه انظر المبشر عدد ١٣٥، ابريل ١٨٥٣. وكذلك رسالة الباحث إبراهيم الونيسي.