١٨٦١، وكان اختفاء هذا الخليفة محل شبهة إذ كثرت الإشاعات والأقاويل حول موته أو قتله من قبل الفرنسيين بعد استدعائه إلى الجزائر وإثارة الشكوك حول موقفه (١). وليس هنا محل الحديث عن الخليفة حمزة، ولكن محل الحديث عن ابن بريهمات الذي عينه الحاكم العام المارشال بيليسييه للإشراف على كل مراسيم التأبين من القراءة عليه والصلاة والتجهيز والخطب والدفن وتقبل التعازي، كل ذلك بحضور العلماء الرسميين وغير الرسميين والسلك القضائي والسلطات الفرنسية، وعلى رأسها المارشال بيليسييه نفسه، وقائد القطاع العسكري وفرقة من الجيش، وكان هذا التأبين، الرسمي أكثر من اللازم، من أجل تغطية شبهة قتله وذر الرماد في العيون، وكان دور ابن بريهمات هو التنسيق بين كل هذه الأجهزة، فهو الذي أعد المدرسة الرسمية لاستقبال الجثمان، وأحضر جيشا من القراء ومنشدي قصيدة البردة ومعدي الطعام للفقراء الذين بلغوا حسب الجريدة (المبشر) قرابة الألفين، وجاء ابن بريهمات بإمام الجامع الكبير لتغسيله، وبالمفتي حميدة العمالي للصلاة عليه، وبعد دفن الجثمان في مقبرة سيدي محمد (محمد بن عبد الرحمن الأزهري) وقف ابن بريهمات يتقبل التعازي نيابة عن أسرة الفقيد التي كانت غائبة، إنها لمسرحية حبكت أدوارها بدقة، وكان الممثل الرئيسي فيها أو البطل هو حسن بن بريهمات.
وفي ١٨٦٥ زار نابليون الثالث الجزائر للمرة الثانية، وكان ذلك في عهد حاكم عام جديد، هو المارشال ماكماهون، وكان الحديث قد كثر عن المملكة العربية وفرسانها، وصف ابن بريهمات وصول موكب الامبراطور إلى مدينة الجزائر بالبحر في ٣ مايو ١٨٦٥، وتفنن في ذلك بما سمح به قلمه، وتحدث عن شخصية نابليون وعن زيارته الأولى أيضا، وعن مراسيم الاستقبال التي أعدت له وكيف اتخذت المدينة زينتها، وعن الخطب التي ألقيت بالمناسبة، وأثناء المادبة الرسمية التي أقامها نابليون على شرف أعيان
(١) انظر تفصيل ذلك في المبشر، وقد نقله إلي الباحث إبراهيم الونيسي مشكورا من (الميكروفيلم). ٨ يناير ١٩٩٠.