للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ايميل لارشي أحد القضاة الفرنسيين عارض تدوين الفقه لأنه رأى فيه خطوة نحو التعريب (١).

أما الجزائريون فقد انقسموا انقساما واضحا حول هذه المسألة، وظهرت آراء مفصلة وأخرى مجملة، وكان بعضها يتجه نحو فكرة التقدم وتسهيل التجنس والعلمانية، وبعضها كان يتجه إلى التخلص من الاختلافات الفقهية التي لا طائل من ورائها والتخلص من الاستئنافات في المحاكم، وهناك من عارض التدوين أصلا وتمسك بالفقه كما هو إما خوفا على مصير الشريعة من الذوبان في القانون الفرنسي تماما، بما في ذلك الأحوال الشخصية، وإما محافظة فقط على التقاليد، فقد أعلن هني بن السائح، وكان قاضيا، أن التدوين سيكون مضيعة للوقت، ومع ذلك عين في لجنة التدوين، ورأى علاوة بن الساسي - أحد القضاة المشتركين في مؤامرة ١٨٨١ - أن التدوين خطوة تستحق المدح لأنه يستجيب لشروط التقدم، ووقف محيي الدين بن خدة مثله، وهو أحد قضاة المدية، ونادى بالتدوين القائم على القرآن والسنة والمذاهب الأربعة والمصالح والأعراف، وشاركهم يحيى غرامو، قاضي تيزي وزو حيث كان قضاة الصلح الفرنسيون يستعملون العرف فقط، فطالب بالتدوين وتطبيقه على كل الجزائريين بقطع النظر عن المذاهب والأعراف (٢).

كان محرك هذا المشروع هو دومينيك لوسياني الذي عمل طويلا كمدير للشؤون الأهلية (إدارة شؤون الجزائريين) في الحكومة العامة، والذي أصبح منذ ١٩٠٤ مستشارا لدى هذه الحكومة في نفس الموضوع، ونحن نفهم من ذلك أن مسألة تدوين الفقه الإسلامي عندئذ كانت من إيحائه هو بل من أعماله الصريحة، وقد قيل أيضا إن نواب الكولون في المجلس المالي قد وافقوا على ذلك، وقيل إن الهدف من هذا المشروع ليس فائدة الأوربيين


(١) نفس المصدر، ص ٢٤٤.
(٢) نفس المصدر، ص ٢٢٤. وهو رأي أزعج دعاة فصل زواوة عن بقية القطر بتحكيم العرف فيها وليس الشريعة الإسلامية.

<<  <  ج: ص:  >  >>