سنة ١٨٣٠، ويحكم: هل احتلوا الجزائر ليستعمروها أو ليخربوها؟ وهل جاؤوا لينتقموا من الإسلام والمسلمين أو ليقيموا مستعمرة يحلون فيها مواطنيهم ويحمونها بجيشهم ويستفيدون من اقتصادها ومواردها؟ من السهل إعطاء الجواب منذ البداية ولكن على المرء أن يواصل معنا هذه الرحلة الشاقة في تصرفات لا مبرر لها في ظاهر الأمر سوى الحقد والجهل بقيمة التاريخ والغرور الأخرق. وقد لاحظ بعض علماء الفرنسيين أنفسهم الأخطاء التي ارتكبت في هذا المجال وحكموا على أصحابها بأنهم أهانوا بفعلهم ذلك شرف المسلمين الذين لن يغفروا لهم إساءتهم، وقد كان ديفوكس وأوميرا ورين أجرأ مما كنا نتوقع حول الموضوع، ولكن جرأتهم جاءت بعد عشرات السنين من الاحتلال.
وقبل البدء في الفقرة التالية نقول إننا اتبعنا في تصنيف البناءات الدينية جغرافيا ثلاثة أصناف: بناءات إقليم الوسط (الجزائر)، وبناءات إقليم الغرب (وهران) وبناءات إقليم الشرق (قسنطينة)، وهو التقسيم الإداري والتقليدي للقطر الجزائري أثناء الاحتلال وإلى سنة ١٩٥٤. وطريقتنا في ذلك هي أن نذكر البناية الدينية وحالتها وتاريخها إذا توفرت المعلومات عنها، وأوقافها إذا ذكرت إلى جانبها، ومصيرها بعد الاحتلال. وعندما ننتهي من البنايات الدينية في الإقليم الواحد ننتقل إلى نفس البنايات في الإقليم التالي، وهكذا. وسيلاحظ القارئ بدون شك، عدم التوازن في المادة وفي التعامل بين وضع هذه البناءات في الأقاليم الثلاثة. ويرجع السبب الرئيسي في ذلك إلى وفرة الكتابات في ناحية دون أخرى، من جهة، وإلى أن السلطات الفرنسية لم تتعامل بنفس الطرية في مختلف أنحاء البلاد. مثلا عانت العاصمة أكثر من غيرها من هدم المساجد والزوايا والأضرحة لأنها هي الأولى في الاحتلال وأنها الأولى التي انطلق منها التوسع العمراني الأوروبي على حساب الأحياء المسماة العربية. وكان الفرنسيون قد قضوا فيها على البناءات الدينية تحت دعاوى عديدة، مثل الدفاع عن المدينة، ومد الطرقات وفتح ساحة الحكومة (الشهداء حاليا) الخ. وكانت تلمسان من