للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا لم يقم العثمانيون بالجهاد فإن العلماء سيتهمونهم بالتعاون في الدفاع عن الدين الإسلامي والخلود إلى الراحة والتغاضي عن العدو، كما صرح بذلك ابن علي في الشعر السابق. لذلك وضع الباي محمد الكبير العلماء في فوهة المدفع حتى يسكتهم إذ جعلهم في طليعة المحاربين ضد الإسبان. فإذا تحقق النصر كسب وكسبوا أو سكت وسكتوا وإذا كتبت الهزيمة تخلص من نقدهم.

ففي التاريخ المذكور (سنة ١٢٠٥) جند الباي محمد الكبير، باي معسكر عندئذ، طلبة (العلماء وتلاميذهم) ولايته وأمرهم بحرب الإسبان في وهران ونواحيها، وأمرهم أيضا أن يتوقفوا عن التدريس في المدن وأن يدرسوا، بدلا من ذلك، في الرباطات والمراكز الأمامية كما نقول اليوم، مثل جبل المائدة المطل على وهران، للتضييق على العدو. وكان الهدف فرض الجهاد عليهم فرضا لأن عليهم في هذه الحالة أن يدافعوا عن أنفسهم قبل مهاجمة الإسبان في المدينة. وعندما كثر الطلبة أمر عليهم الشيخ محمد بن الموفق بوجلال والطاهر بن حوا، قاضي معسكر، والشيخ محمد بن علي الشارف المازوني. وقد وصل عدد الطلبة المائتين وأعطاهم الباي السلاح والعدة وأمرهم بقتال الكفار والمسلمين المنحازين إليهم. ولكن هزيمة الطلبة كانت شبه مؤكدة. فهم، كما تقول الرواية، غير معتادين على حمل السلاح ولا يعرفون فن الحرب. وكانوا سيقعون في قبضة العدو لا محالة لولا فرارهم في الوقت المناسب ومعرفتهم كيف يحمون أنفسهم قبل الوصول إلى هدفهم.

وليست هذه هي المرة الأولى التي استعمل فيها الباي محمد الكبير الطلبة في الجهاد ضد الإسبان. فقد أمر ذات مرة بعض ثقاته من الطلبة بالتوجه، بعد تسليحهم وتموينهم، إلى النواحي الغربية من ولايته لتجنيد زملائهم الطلبة من هناك وترغيبهم في الجهاد. وقد نجحت البعثة حسب نفس الرواية، إذ عاد أصحابها بنحو أربعمائة طالب. ولم يتردد الباي في تسليحهم وإعدادهم ودفعهم للحرب. وكانوا يزدادون مع الزمن حتى (أربى عددهم عن

<<  <  ج: ص:  >  >>