للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحد). وبذلك أصبح الطلبة يشكلون فرقة عسكرية علمية بكل معنى الكلمة. وكان الباي يرسل إليهم حاجتهم من المؤونة والسلاح كل شهر (١).

ولا شك أن هذه القصة تعطي نموذجا لتحالف الجزائريين والعثمانيين ضد العدو المشترك الذي شجع على هذا التحالف من أوائل القرن العاشر إلى أوائل الثالث عشر. كما أن هذه القصة تعطي نموذجا لمساهمة العلماء في الجهاد بأنفسهم وليس عن طريق الكلام والشعر والتأييد المعنوي. ولا شك أيضا أن وجود العلماء على رأس الجيش المحارب كان يشجع الجنود والعامة على الاقتداء بهم والارتماء في أحضان المعركة بكل حماس وجدية. وكان هذا أيضا من أهداف الباي محمد الكبير الرئيسية. فتحرير وهران الثاني والأخير كان، حينئذ، عن طريق الجيش النظامي وعن طريق ما نسميه اليوم بالحرب الشعبية.

والشيخ بوجلال الذي أمره الباي على الطلبة في جبل المائدة شرقي وهران يعتبر من أبرز العلماء في عصره. وكان من أبرز المدرسين. ونعرف من إجازته لمؤلف كتاب (الثغر الجماني) أنه كان يدرس الفقه والحديث والتوحيد والمنطق والأصول والبلاغة والنحو. وقد اكتسب الشيخ بوجلال هذه العلوم بدراسته في فاس حتى اشتهر بها، كما ذهب إلى الحج ولقي علماء المشرق. وكان وقت تامير الباي له أستاذا بارزا في معسكر (٢). ولعل الباي كان يحاول بتعيينه في تلك المهمة التخلص منه، كما تخلص من القاضي ابن حوا باستشهاده، ومهما يكن الأمر فإن هناك عالما آخر كتب حول هذه المناسبة وهو أبو راس الناصر الذي عاصر فتح وهران. ويهمنا من أبي راس أنه لم يكن حاضرا في معسكر عند بدء الجهاد وإنما سمع بالانتصار وهو في تونس عائدا من الحج فخف إلى وهران للمشاركة في الجهاد


(١) احمد بن سحنون (الثغر الجماني) مخطوط باريس رقم ٥١١٤ ورقة ٤١. وقد استشهد في هذه الحملة القاضي ابن حوا المذكور. انظر أيضا (الرحلة القمرية) لابن زرفة كما لخصها هوداس (وقائع مؤتمر المستشرقين الرابع عشر) الجزائر. ١٩٠٥.
(٢) ابن سحنون (الثغر الجاني) ورقة ٣٩ - ٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>