وما وصفناه من التضامن والتحالف بينهم ساعة الخطر المشترك، فإن هناك ثورات عديدة قد وقعت في العهد العثماني. وكانت الثورات متعددة الوسائل والغايات فبعضها كان له طابع ديني، وبعضها كان له طابع سياسي (وطنيا)، وبعضها كان له دوافع اقتصادية، كما أن البعض منها كان نتيجة تمرد شخص حبا في المغامرة أو طمعا في الجاه والسمعة. ومن هذه الثورات ما كان قصير المدى محدود المكان، وما كان طويل المدى واسع المجال. بالإضافة إلى أن الثورة كانت أحيانا ثورة طريقة صوفية بأسرها أو ثورة قبيلة كاملة، وأحيانا كانت ثورة طبقة اجتماعية معينة، وأحيانا ثورة جهة وأخرى ثورة عائلة. وسنحاول أن نقدم نموذجا لبعض هذه الثورات. ولكن تجدر الملاحظة إلى أن الثورة الواحدة قد تكون متعددة الدوافع والأهداف. كما تجدر الإشارة إلى أن بعض هذه الثورات ما يزال مجهولا وغامض الأسباب والأهداف.
والواقع أن رد الفعل ضد العثمانيين قد بدأ منذ اللحظة الأولى لوجودهم. وكانت أول ردود الفعل قد جاءت من أصحاب المصالح السياسية والاقتصادية في البلاد. ولم يكن العلماء والصلحاء (أو المرابطون) والعامة هم الذين نفروا من الحكم العثماني، ولكن الأمراء والولاة والقواد وأصحاب النفوذ الاقتصادي والسياسي في العهد السابق لهذا الحكم والذين خشوا أن يفقدوا (أو الذين فقدوا فعلا) مصالحهم السياسية والاقتصادية. وكان تحالف العثمانيين مع رجال الدين والعامة، قد أضر بمصالح بعض الأمراء والولاة والقواد الكبار، فكان هذا الموقف سببا في ثورة بعض هؤلاء الأعيان. غير أن سياسة العثمانيين لم تكن هي حكم البلاد المباشر، بل الحكم بواسطة أهل البلاد أنفسهم. ذلك أن عددهم وقوتهم وأصولهم كلها لم تكن تسمح لهم بفرض سلطانهم مباشرة، ولذلك عمدوا، بالإضافة إلى التحالف الذي ذكرناه سابقا مع رجال الدين، إلى الاعتراف بالاستقلال الداخلي أو بالحكم المحلي لبعض هؤلاء الأعيان بشرط أن يدفعوا ضريبة معينة للحكومة المركزية ويعترفوا بالتبعية للسلطان العثماني. وكانت علامة التمرد أو الثورة هي الامتناع عن دفع الضريبة أو قطع الخطبة باسم السلطان. ومن الأساليب التي