لكن ديفوكس اعترف أن العملية لم تتم بناء على الاحترام الواجب للأموات (وكأن الأحياء لا يستحقون ذلك أيضا). فقد اتخذت العملية شكل الاعتداء والإهانة. إن عظام الموتى بقيت (لمدة سنوات) مكدسة ومبعثرة هنا وهناك، ويمكن للمرء أن يراها خلال تلك الفترة كلها. وكانت هذه العظام مسحوبة ومجروفة بعنف من أضرحتها. وكانت ترمى في الهواء بغلظة. وكان يمكن تفادي ذلك مع بعض الاحتياط. ولم يقل ديفوكس إن ذلك كان لا يتناسب مع دعوى التحضر والتمدن التي يتشدق بها الفرنسيون، وإنما قال إن ذلك قد أثار هيجانا عميقا لدى الأهالي وجعلهم يعتقدون أن الفرنسيين لا يحترمون رفات الموتى. وهل كان الأهالي مخطئين في حكمهم؟
هذا عن الأحياء الفرنسيين مع الأحياء والأموات الأهالي. أما عن التاريخ والآثار فمسألة أخرى. قال ديفوكس: إن التاريخ عليه أن يتأسف على إزالة مقبرة أخرى كانت مخصصة لدفن الباشوات. فقد محيت هذه المقبرة تماما من الوجود، وهي مقبرة قديمة جدا أشار إليها هايدو الإسباني سنة ١٥٨١. وقد ضاع مع ذلك جانب هام من التاريخ والآثار.
لقد تعهد الفرنسيون بإزالة الجبانات بعناية تحافظ على كرامة الأموات وقيمة التاريخ، ولكن ذلك التعهد لم يحترم. فقد استعملوا المعاول والجرافات لا لنشر ما في القبور ولكن لكسر المشاهد والشواهد والكتابات وتحصيل الأحجار للبناء وبيع عظام الموتى في أسواق مرسيليا. وقد شهد ديفوكس الذي كان ما يزال صغير السن عندئذ، بأن معالم تاريخية هامة قد ضاعت مع ضياع الأضرحة والقباب، مثل التواريخ المحفورة على الرخام أو على اللوحات (الشواهد). لقد وقع تخريب هذه الصفحات، كما قال، تخريبا مطلقا. وضاعت معها الوثائق الخطية التي تؤدي إلى معرفة تواريخ حكم الباشوات وأزمنة الموظفين السامين في الجزائر. إن جميع ذلك إما هدم
= عدم التدين الذي كان عليه الفرنسيون. انظر بيلي (عندما أصبحت الجزائر فرنسية)، ٢٨٢.