للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حقه في زاوية سيدي العباسي بالمتسامح (١).

والغريب أن ديفوكس هو نفسه الذي ذكر حركة الهيجان لدى المسلمين عند إزالة مقبرة باب الواد. فقد قال إن الطريقة التي تمت بها عملية الإزالة قد أثارت هيجانا عميقا لدى الأهالي وأعطتهم فكرة وهي أن الفرنسيين لا يحترمون رمم الموتى ولا يقدسونها. وقد وصف الكتاب اللاحقون حالة الفرنسيين المعاصرين للاحتلال فقالوا إنهم كانوا غير متدينين حتى بنصرانيتهم ولا يحترمون المسيح - عليه السلام. فكانوا إما جهلة من حثالات المجتمع وإما لائكيون وماسونيون من رواسب الثورة الفرنسية ونقمتها على رجال الدين والكنيسة. وقد انعكس ذلك حتى على موقفهم من الأوقاف الإسلامية ورجال الدين المسلمين. إذ نظروا إلى رجال الدين الإسلامي نظرة رجال الدين في فرنسا وطبقوا على الأوقاف الإسلامية ما طبقوه على أملاك الكنيسة في فرنسا نفسها. وسنذكر ذلك في الحديث عن الأوقاف.

إن إزالة الجبانة العمومية الواقعة في ناحية باب الواد منذ أول وهلة للاحتلال وبطريقة وحشية جعل المسلمين يأخذون عبرة خالدة من علاقتهم بالفرنسيين. وقد استنكر ذلك حتى من كانوا يدافعون عن هدم الآثار والمعالم الإسلامية للضرورة العامة من الفرنسيين. يقول ديفوكس واصفا إزالة المقبرة المذكورة بالجرافات وما لا ذلك من بعثرة عظام الموتى، ما يلي: إن أول المتأثرين بالاحتلال مباشرة هم الموتى المسلمون. لقد كان عليهم أن يتركوا المكان لشعب (متحضر) ونشيط جاء ليعمل ويحتل المدينة. ذلك أن وجودهم (الموتى) بها لا يتناسب مع وجود أحياء من جنس ودين آخر. فكان عليهم أن يتركوا المكان للساحات والحدائق والطرق العمومية ونحو ذلك (٢).


(١) ذكر أوميرا عدة مرات موقف المسلمين المتسامح، انظر صفحات، ١٨١، ٢٠٠ من بحثه.
(٢) تقول بعض المصادر إنه عند أداء اليمين لأول بلدية في مدينة الجزائر سنة ١٨٣٤ حلف المسلمون بالقرآن ولكن الفرنسيين حلفوا بالإخلاص للملك وطاعة القانون. وقيل إن العرب يحترمون كل الأديان لأنهم يحترمون دينهم. وقد استغرب المسلمون =

<<  <  ج: ص:  >  >>