تحويل بعض المساجد إلى كنائس، ونقل رفات الأولياء وهدم أضرحتهم. وهذا مخالف للأحداث التي رواها هذان المؤلفان من جهة ومخالف للوثائق التي ربما لم يطلعا عليها من جهة أخرى. إن الاحتجاج السري أخطر من الاحتجاج العلني أحيانا، ومع ذلك فلم يكن الجزائريون دائما صامتين في احتجاجهم.
فقد ضم كتاب (المرآة) لحمدان خوجة كتابات احتجاجية علنية وكانت قد نشرت في وقتها، ويبدو أن كلا من ديفوكس المعاصر له وأوميرا المتأخر عنه لم يطلعا على كتاب المرآة، ولا على احتجاج المفتي ابن العنابي، ولا احتجاج المفتي ابن الكبابطي وابن الشاهد وغيرهم من رجال الدين والعلم. ولعل هؤلاء الفرنسيين يقصدون بالاحتجاج حركة عامة في شكل مظاهرة. إن غياب القادة الدينيين والسياسيين بالنفي المنظم والسجن والهجرة الاختيارية قد جعل عامة الناس بدون قيادة. ومع ذلك فقد كانت هناك حركة احتجاجية تلقائية مرتين على الأقل في العاصمة. الأولى عند إهانة المحكمة الإسلامية بدخول أحد الضباط الفرنسيين إليها عند مناقشتها لقضية تنصير امرأة مسلمة (عائشة بنت محمد) وخطفها وهي في عصمة زوجها المسلم (سنة ١٨٣٤). والحركة الثانية عند تحويل جامع كتشاوة إلى كنيسة.
وهناك أحداث أخرى فردية عديدة لا داعي لذكرها جميعا. ويكفي أن نشير إلى أن ديفوكس نفسه أورد حادثة ذات معنى في هذا الشأن، جرت سنة ١٨٤٦. فقد قال إن أحد (المتعصبين) واسمه الحاج جلول، ضرب بالمطرقة قطعة من الرخام عليها كتابات بالعربية تابعة للجامع (الجديد)، وكانت القطعة قد ظلت مرمية في الطريق بعض الوقت. وكان غرض الحاج جلول هو ألا يهين النصارى اسم الجلالة الموجود في الكتابة. ومن أجل ذلك اعتبره ديفوكس متعصبا (١). ولكن ديفوكس نفسه وصف الرجل المسلم الذي باع
(١) ديفوكس، ١٤٧. عن رأي حمدان خوجة في رد الفعل انظر محمد بن عبد الكريم (حمدان بن عثمان خوجة الجزائري)، دار الثقافة، بيروت، ١٩٧٢، ص ٢٢٢ - ٢٢٥.