فيعيش منها ويستعمل ريعها في الصيانة ويصرف الفائض على نفسه أو على الفقراء والعلماء الخ، إذا نصت الوقفية على ذلك. فالوكيل هنا مقيد وملتزم بنصوص الوقفية. وقد كان للمباني العمومية وكلاء أو نظار، وجميعهم يعينهم الداي في الجزائر والباي في الأقاليم، وهم مسؤولون لديه، ولهم محاسبون دوريون، تقدم إليهم السجلات والحسابات لمعرفة حالة المداخيل والمصاريف واستعمال حقوق الوقف في مكانها المشروع.
ومنذ اللحظات الأولى للاحتلال وقع الغدر بالمادة الأساسية في اتفاق الجزائر في يوليو ١٨٣٠، وهي المادة التي تنص على احترام الأملاك واحترام الدين الإسلامي والعادات الخ. فقد استولى المحتلون الفرنسيون على ما اسموه بأملاك البايلك أو الدولة الجزائرية، ثم على أملاك أخرى سموها أملاك الأتراك، وبعد أقل من شهرين أصدروا قرارا نص على وضع جميع الأملاك الدينية وبناياتها في يد أملاك الدولة الفرنسية (الدومين). وهكذا دخلت الجزائر في قبضة الأخطبوط الجائع الذي رأى المال في يد السكان جريمة يعاقبون عليها. ولقد كان على الجزائريين أن يحتجوا على هذه الإجراءات التعسفية ومصادرة أملاك آبائهم وأجدادهم وحرمانهم من حقوقهم الشرعية ومن تراثهم الديني، ولكن كانت الكلمة للقوة.
واستمرت (التشريعات) الفرنسية تسلب الجزائريين حقوقهم مرحلة بعد مرحلة إلى أن اندمجت مداخيل الأوقاف الإسلامية في ميزانية الدولة الفرنسية وضاع حق الجزائريين في التعليم منها وفي المساعدات الاجتماعية لفقرائهم. كما كان مصير عقاراتها وأراضيها هو التوزيع على المهاجرين الفرنسيين (الكولون). وكان حظ المساجد والزوايا والقباب والجبانات في العاصمة بالذات هو الهدم والتصرف الحر فيها والتعطيل عن الغرض، كما عرفنا. والعجب أن الجزائريين قد نسوا كل ذلك اليوم، نسوه كدولة من واجبها أن تطالب به الدولة الفرنسية التي استولت على ما أسمته بأملاك البايلك سنة ١٨٣٠، ونسوه كشعب عليه أن يكون ذاكرا لكل حقوقه محافظا. على كل تراثه لأنها حقوق وتراث أجيال وليست لجيل بعينه.