للمتزوجين فقد نشأت أزمة اجتماعية وإنسانية على المصادرة والطرد من البلاد. فإذا كانت المصادرة بحجة أن المالك زكي، فأين حقوق الزوجات والأبناء في الملكية؟ وقد احتج حمدان خوجة ومن معه على هذا الخرق الصارخ للاتفاق وعلى الظلم الفاحش والحرمان الذي طرأ في حق الزوجات والذرية من تجريد الأتراك من أملاكهم ومصادرتها وضمها لأملاك الدولة الفرنسية. إن الفرنسيين لم يكتفوا بالتفريق بين المالك وملكه بل بين الزوج وزوجه وبين الأب وبنيه أيضا (١).
يذهب الفرنسيون إلى أنه لو لم يستعملوا تلك الطريقة لتأخر إنشاء الملكية الفرنسية في الجزائر سنوات طويلة. فتجريد الأتراك من أملاكهم ومصادرة أملاك مكة والمدينة وغيرها، مثل أملاك الأندلس، قد سهل على الدولة الفرنسية توفير العقارات والمباني لمنحها للأوروبيين المهاجرين للاستيطان والاستقرار. ذلك أن الملكية كانت غير قابلة للتقسيم والبيع، بصفتها جماعية، وكان من بين أصحاب الحقوق فيها أناس غائبون، إلى غير ذلك من العراقيل التي رآها الفرنسيون تحول دون تمتعهم بالسكن السريع. كما أن المضاربات كانت تأخذ طابعا فظيعا حول التملك في العقارات لأن بعضهم وجد نفسه يبيع ما لا يملك والآخر يشتري ما هو غير موجود. لذلك قررت السلطات الفرنسية الاستيلاء بالقوة على الأملاك وبيعها للأوروبيين والتصرف فيها. وكان أول الضحايا لهذه الإجراءات هم الأتراك، كما ذكرنا ثم أملاك الأوقاف الإسلامية، ثم أملاك الحضر أنفسهم. لقد كان الفرنسيون على ما قيل يخشون من ثورة الإنكشارية فحكموا بطردهم، بل اعتبروا حتى الكراغلة خطرا، عليهم في البداية. وعزلوهم من وظائفهم، ولم يكتفوا بذلك بل طردوا كثيرا منهم وصادروا أملاكهم، كما أشرنا، وأظهروا شيئا من
(١) كان حمدان خوجة معنيا شخصيا إذ كانت إحدى بناته متزوجة من تركي. وحين احتج لدى الحاكم الفرنسي قال له: طلقها منه! فقال له خوجة إن الطلاق لا يكون بالإكراه، ولكن الفرنسي أصر على طرد الزوج التركي. انظر عبد الكريم (حمدان بن عثمان خوجة)، مرجع سابق، ص ٢٢٥.