إلى مداخيل أملاك الدولة الفرنسية، وحرموا منها المسلمين أصحاب الحقوق فيها.
أما الدافع الثاني في نظرنا في الاستيلاء على الأوقاف العامة، فهو ما أشار إليه البعض أحيانا، وهو الخوف من أن يستعمل المسلمون المال الذي عندهم لاسترداد سيادتهم على بلادهم والتحكم في مصيرها وطرد الفرنسيين منها. فالمال قوام الأعمال، كما يقولون، والفرنسيون الأولون كانت لا تغيب عنهم هذه الفكرة، وقد تجسسوا على المفتي ابن العنابي وحصلوا منه على تصريح بأنه مستعد لجمع جيش وإعلان الجهاد ضد جيش الاحتلال. وكانت للداي حسين مراسلات بالشفرة مع علماء وشيوخ وأعيان الجزائر يعدهم فيه بالرجوع ويحثهم على الصبر ومواصلة العمل على تحرير البلاد. وقد وقعت هذه المراسلات في أيدي المخابرات الفرنسية فعرقلوا المخطط. وكان حمدان خوجة يتراسل بالشفرة أيضا مع عدد من زعماء البلاد، وسافر إلى قسنطينة مرتين للاتصال بالحاج أحمد، إلى غير ذلك من المحاولات التي تجعل الفرنسيين يتوجسون خيفة من عملية مضادة يكون المال الذي في أيدي أملاك الأوقاف وسيلة كبيرة لها. فبادروا بوضع أيديهم على هذه الأملاك منذ أول وهلة، دون مراعاة المعاهدة ولا ذوي الحقوق ولا حرمة الدين.
لكن ما يذكره البعض كسبب لمصادرة أملاك الأوقاف لا يخلو أيضا من عبرة وتأمل. إن السيد ديفوكس المعاصر لعمليات المصادرة وردود الفعل، يرى أن وراء ذلك أفكارا معادية للدين عموما جاء بها الفرنسيون المتأثرون بثورتهم سنة ١٧٨٩، وهي أفكار مضادة لرجال الدين من جهة ومضادة للتعصب الإسلامي من جهة أخرى. وقد أيد ديفوكس هذه الأطروحة، فقال: إن وضع الأوقاف في الجزائر يشبه وضع أملاك رجال الدين في فرنسا قبل الثورة. لذلك كانت الإدارة الفرنسية في الجزائر حريصة على أن لا يكون لرجال الدين دخل خاص، بل يجب أن يكون كل شيء تحت يد الإدارة نفسها، وهي التي تتولى نفسها الصيانة والتسيير مباشرة. ويبدو أن السيد ديفوكس قد نسي أن الأوقاف ليست مالا خاصا لرجال الدين، بل هم أمناء