٧ - وهناك ثورات ذات طابع ديني بعضها كان بقيادة مرابط بعينه وبعضها بقيادة طريقة صوفية كاملة. ومن النوع الأول ثورة يحيى الأوراسي في القرن العاشر في جبال الأوراس. فقد كان الشيخ يحيى رجلا عالما ومدربا في مدينة قسنطينة، وكان من تلاميذ عمر الوزان، وكتب أوراقا وتقاييد في النحو والبيان والفقه، وتولى الإفتاء في الجزائر وقسنطينة. وكان في أول أمره صاحب نفوذ لدى أهل الدولة الذين كانوا يعتقدون فيه الصلاح حتى أنهم كانوا (لا يقطعون دونه أمرا) وقد انتهى إلى التصوف وأسرار الحروف وله سلسلة وخرقة على عادة المتصوفة. وهذا ما جعل أهل السلطة، بالإضافة إلى العامة، يعتقدون فيه الصلاح. ولكن حساده وشوا به إلى السلطة وأشاعوا عنه الأقاويل (فخلع البيعة وفر من قسنطينة إلى جبل أوراس مع أخيه أحمد) وقد جرت حروب بينه وبين العثمانيين انتهت بفشلهم من إلقاء القبض عليه، ولكن الموت جاءه غدرا. ولعل ذلك كان من دس العثمانيين بعد أن فشلوا في قتله في الميدان. ومهما كان الأمر فإن ثورته قد استمرت على يد أخيه أحمد (١).
وهذه الرواية لثورة يحيى الأوراسي لا تكشف عن جميع جوانب الثورة لأن الذي ساقها (الفكون) كان ضد العلماء الذين يتزلفون السلطة ويهينون علمهم وصلاحهم بتولي الوظائف الرسمية وخدمة الأمراء. وفي نظره أن جميع العلماء الذين فعلوا ذلك قد انتهوا بالتخلي عن قيمهم وعلمهم وصلاحهم وضحوا بالأخلاق، أو أنهم انتهوا إلى الثورة أو التصوف الكاذب. ومن هذا الصنف يحيى الأوراسي. ولعل الشيخ يحيى في نظر الفكون كان يستعمل الصلاح والتصوف لأغراض وصولية أخرى، بالإضافة إلى التدريس والفتيا. وحين انكشف أمره وخشي العاقبة لجأ إلى الثورة ضد الذين أنعموا عليه بالوظائف واعتقدوا فيه الصلاح وكانوا (لا يقطعون دونه أمرا) فأسباب الثورة حينئذ كانت شخصية بالدرجة الأولى، ولكن كان لها أهمية في المنطقة