وليس لدينا الآن مصادر أخرى تتحدث عن تطور العلاقات بين المكتب الخيري الإسلامي والسلطات الفرنسية بعد ١٩٠٠، والذي نعلمه هو أن (الجمعية الخيرية) قد حلت محل المكتب الخيري، وأن بعض الأعيان المسلمين قد تداولوا عليه وعليها مثل الشيخ الطيب العقبي، وأن الجمعية الخيرية كانت تعقد اجتماعات سنوية بالعاصمة، تكون فرصة ليس فقط لتوزيع الصدقات ونحوها، ولكن أيضا فرصة للتضامن الاجتماعي بين الجزائريين. وكانت التبرعات تجمع أثناء الحفل السنوي، وفيه كان يتبارى الخطباء والشعراء في الدعوة إلى الإحسان والبذل. وكان التلاميذ، في عهد المدارس الحرة، يتبارون أيضا على الأناشيد والحث على طلب العلم عن طريق تمثيل الروايات الأدبية والتاريخية. وهكذا نرى نوعا من الرجوع إلى الأصل نتيجة استثمار الوقف لصالح المجتمع والعلم والصالح العام، ولكن (الإعانة) الحكومية ظلت متقشفة، وظلت حقوق المسلمين في التعويض عن أوقافهم مهضومة، وهي لم تنم تحت الإدارة الفرنسية بل نقصت وذابت أو كادت في غير ما أنشئت لأجله.
وكان الشيخ أحمد توفيق المدني الذي عاصر نشاط الجمعية الخيرية منذ العشرينات قد كتب عن الوقف والحكومة الفرنسية، وعن وقف الشيخ القينعي. فقال سنة ١٩٣١، إن رئيس بلدية الجزائر، ما يزال هو رئيس الجمعية الخيرية، وهو ما نص عليه قرار ماكماهون منذ ١٨٦٨، وأن أعضاء الجمعية كانوا عشرة، خمسة من المسلمين وخمسة من الفرنسيين، وأن مداخيلها أو ميزانيتها كانت تتمثل في (إعانة) الدولة السنوية، وفي التبرعات والصدقات. وكان رأس مال الجمعية يبلغ ١٦٠ ألف فرنك، وهو فيما فهمنا من كلام الشيخ المدني لا يشمل مداخيل وقف القينعي. فإذا كان الأمر كذلك، فإن هناك زيادة ملحوظة بفضل الهبات والتبرعات والصدقات، وليس من المبلغ السنوي المقرر منذ ١٨٥٧، وهو ١١٣,٥١٠ فرنك. ويضيف المدني أن الجمعية الخيرية قررت أن تأخذ إتاوة على مداخيل المسرح والملاهي - كما نص على ذلك قرار ماكماهون - ولكن التنفيذ لم