للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكثر أتباعهم وأدوا بالبلاد إلى حافة الثورة العامة. واستعمل العثمانيون أيضا وسائل أخرى غير عسكرية كمصاهرة بعض خصومهم. فقد صاهر الباي المذكور خصمه قدور بن الصحراوي، زعيم الحشم، الذين كانوا قد انضموا إلى الثورة. وعانى من الثورة الناس الذين وقعوا بين نارين: السلطة والدين كالعالم الحافظ أبي راس الناصر الذي كادت تأتي عليه رياح الثورة والذي روى هو ذلك في كتابه (درء الشقاوة في حروب درقاوة) وأشار إليها في بعض أعماله الأخرى، ثم العالم الزاهد محمد الزجاي. ولم تنته الثورة إلا بعد إجراء اتصالات سياسية بين الجزائر والمغرب على المستوى الرسمي (١).

هذا عن ثورة ابن الشريف أما عن ثورة ابن الأحرش فقد كانت هي أيضا قوية وكادت أن تقلب الأوضاع في الشرق الجزائري ضد العثمانيين. وقد هدد ابن الأحرش مدينة قسنطينة نفسها. وخاض معارك بين قسنطينة والجزائر قبل أن ينتقل إلى غرب البلاد ليتعاون مع الدرقاويين هناك (٢). ويهمنا هنا ذلك التحالف الذي وقع بين ابن الأحرش والمرابط عبد الله الزبوشي مقدم الطريقة الرحمانية. فقد كانت زاوية الزبوشي في (رجاس) بالقرب من ميلة. وكان هو ساخطا على عثمان باي، حاكم قسنطينة. وقد نجح الزبوشي في قيادة أتباعه ضد الباي الذي قتل في إحدى المعارك سنة ١٢١٩. وأرسل الزبوشي برأس الباي إلى حليفه ابن الأحرش. ويقال إن سبب ثورة الزبوشي هو أن الباي سمع بتحالفه مع ابن الأحرش فسحب منه الإعفاء من دفع الضريبة، وهو إجراء كان يتمتع به المرابطون والعلماء المرضي عنهم. فأرسل الزبوشي إلى الباي يطلب إبقاء الإعفاء ولكن الباي رفض فغضب الزبوشي وثار على الباي، وبعد عام من الثورة قتل عثمان باي، كما ذكرنا. ويبدو أن توجه ابن الأحرش إلى الغرب الجزائري والعداوة الشخصية التي كانت بين الزبوشي والباي هي السبب في عدم مطاردة العثمانيين للمرابط الزبوشي الذي استمر


(١) انظر الفصل الأخير من هذا الجزاء حيث الحديث عن الطرق الصوفية.
(٢) عن ابن الأحرش انظر أيضا الفصل السادس من هذا الجزء.

<<  <  ج: ص:  >  >>