للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلم ويلقن أوراد الطريقة وتعاليمها (١).

وعندما سمع باي وهران، محمد المقلش، بحركة ابن الشريف توجس منها خيفة وأخذ يستعد للقضاء عليها. ويبدو أن الباي قد أحس أن حركة ابن الشريف الدرقاوية لم تكن دينية محضة، كما يدل عليها ظاهرها. فقد كان لها طابع سياسي يتداخل فيه المغرب الشريفي والجزائر العثمانية. ولعل ابن الشريف كان مجرد أداة لتنفيذ خطة سياسية ضد النظام العثماني فأراد هذا النظام حماية نفسه. ومما يؤكد هذا ظهور شخصية مغربية غامضة في الشرق الجزائري ادعت أيضا أنها درقاوية وحاربت العثمانيين هناك، ونعني بها محمد بن الأحرش الذي لعب أيضا دورا في حوادث مصر أثناء الحملة الفرنسية عليها. فقد جاء ابن الأحرش إلى الجزائر ونشر تعاليم الطريقة الدرقاوية في الظاهر واتصل ببعض المرابطين الجزائريين، أمثال عبد الله الزبوشي مقدم الطريقة الرحمانية بنواحي قسنطينة.

ومهما يكن الأمر فإن ثورة درقاوة في الجزائر قد غطت مناطق واسعة وهددت الوجود العثماني فيها بقوة على نحو ما هددته ثورة ابن الصخري قبل ذلك بقرن ونصف. وقد جند لها العثمانيون قوتهم ولا سيما بعد أن أدركوا غايتها السياسية البعيدة. ودارت معارك كثيرة، منها المعركة التي وقعت بين الباي محمد المقلش وطلبة ابن الشريف في المكان المعروف بفرطاسة (قرب معسكر) (٢) أدت إلى انهزام جيش الباي. والهزيمة أحيانا تؤدي إلى الهزيمة، كما أن الغلبة تزيد في الحماس والسمعة. وهكذا كان الأمر بالنسبة للدرقاويين. فقد تقدموا واستمروا في حروبهم ومناوشتهم للسلطات العثمانية


(١) توفي الشيخ محمد العربي الدرقاوي بالمغرب سنة ١٢٢٣. وعن مبادئ طريقته في الجزائر انظر الفصل السادس من هذا الجزء.
(٢) وهي المعركة التي ملأت فيها الكاتب أحمد بن هطال. وقد سجل أخبارها حسن خوجة أحد المؤرخين الرسميين في كتابه (در الأعيان في أخبار مدينة وهران). وترجم هذا الكتاب روسو ونشره في جريدة (مونيتور الجيريان) سنة ١٨٥٥، أعداد ١٣٩٨ - ١٣٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>