ذلك. وكم توترت العلاقات بين الجزائر وأمريكا وبينها وبين بريطانيا ثم بينها وبين فرنسا. وكم ثارت من ضجة حول الحروب النابوليونية وحملة فرنسا على مصر وموقف الجزائر من كل ذلك. فهل كان الجزائريون، رسميون وغير رسميين، غير معنيين بما تنشره الصحف الأوروبية والأمريكية حولهم؟ إن كانوا كذلك، فإنهم يومئذ لفي غاية الجهالة والحماقة! ولنتصور أن بلاط الداي حسين كان غير مطلع على ما كانت تنشره الصحف الفرنسية حول الجزائر بين ١٨٢٧ - ١٨٣٠، ولا سيما في السنة الأخيرة، ونحن نعلم أن الداي كان يضع في كل نقطة حساسة مخبرا أو أكثر، في ليفورنيا، وجبل طارق، وطنجة، وأزمير، الخ ...
من رأينا أن أعيان الجزائريين لم يكونوا يجهلون دور الصحافة في أوروبا وأمريكا. وكانت الصحافة الرسمية قد أنشئت أيضا في مصر واسطانبول قبل الاحتلال الفرنسي للجزائر. ولكنهم لم يقدروا أهميتها ولم ينشئوها في بلادهم. ونحن لم نقرأ عن خلاف وقع حول أهميتها حتى نحكم من ذلك على أن هناك رأيا عاما ضد إنشائها. وربما لم يطرح الموضوع أبدا للنقاش. إن رجلا مثل المفتي ابن العنابي قد دعا إلى تقليد الأوروبيين في جميع مبتدعاتهم ما عدا الأمور الشرعية. ولكنه لم يذكر الصحافة بالاسم، وهي لم تكن من الأمور الشرعية، فهل نفهم من هذا أنه كان يجيز إنشاءها؟ لقد كان مطلعا على ما نشأ في مصر من صحافة وما نشأ أيضا في اسطانبول. ولكنه لم يذكر في كتابه (السعي المحمود) الصحافة من بين المبتدعات رغم أنه تحدث عن أهمية الدعاية والإعلام في الحروب. وهذا أحمد بوضربة المتزوج من فرنسية وممثل الداي في مرسيليا، قد عرف الصحافة الفرنسية ولعله استفاد منها، ولكنه لم يدع إلى إنشاء صحيفة للأهالي إلا بعد الاحتلال بثلاث سنوات. ويخبرنا مصدر فرنسي أن أعيان إقليم قسنطينة قد طالبوا بإنشاء جريدة عربية منذ ١٨٤٥ (١).
(١) فورتان ديفري F.D'ivery (الجزائر) في مجلة الشرق R. de L'Orient ١٨٤٥، ص ٧١. واستغرب ديفري من عدم وجود رجل قادر على الإشراف عليها (من الجزائريين؟). وكان ذلك قبل ظهور (المبشر) بسنتين.