للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كانت الأسباب الدينية غير واردة في غياب الصحافة في الجزائر، فهل يعود عدم إنشائها إلى أسباب اجتماعية وسياسية؟ إن أحد الغربيين، وهو بنانتي، يرجع عدم إنشاء المطبعة في الجزائر ونشر الكتب والمطبوعات - ومنها الصحافة- إلى كون الوراقين لا يرغبون فيها لأنها ستسبب كساد بضاعتهم، وهي النساخة. ويذهب إلى أن الحكومة كانت تجاري هذه الرغبة محافظة على التوازن الاجتماعي، ولكن موضوع الصحافة كوسيلة إعلامية ظل غير مطروح عندئذ، سواء في المستوى الرسمي أو الشعبي.

ومهما كان الأمر فإن نشأة الصحافة كانت مبادرة فرنسية. وأول محاولة على الأرض الجزائرية كانت يوم ٢٦ يونيو، ١٨٣٠ عندما سحبت أعداد من صحيفة تدعى (الاسطافيت) بالمعسكر الذي أقامه الجيش الفرنسي في سيدي فرج. وقد تم سحبها في المطبعة العسكرية المحمولة على إحدى السفن، وكانت تسمى المطبعة الإفريقية. وقد صدر من (الاسطافيت) عدة أعداد كانت ترسل إلى فرنسا وتطبع من جديد وتوزع هناك حاملة أخبار نجاح الحملة وسقوط حكومة الداي ودخول الجيش الفرنسي إلى القصبة، ونحو ذلك.

ثم انقلب الفرنسيون على نظام شارل العاشر وأحلوا محله نظام الاسترجاع الذي تولاه لويس فيليب، ملك مملكة جويلية. وتوقفت (الاسطافيت)، وحل العلم المثلث محل علم أسرة البوربون، وغادر بورمون قائد الحملة، الجزائر طريدا إلى إسبانيا على باخرة نمساوية لأن السفن الفرنسية رفضت حمله، ولم يودعه حتى الضباط الذين قادهم إلى (النصر) ضد الجزائريين. وجاء مكانه المارشال كلوزيل فاشتغل بالحملات الداخلية والاستعمار في متيجة والمدية والبليدة، وسكت الحديث عن الصحافة. ولم تطبع المطبعة الإفريقية سوى بيانات كلوزيل وأوامره وقراراته بمصادرة أملاك الجزائريين وأوقاف مكة والمدينة. وبقي الأمر كذلك في عهد خلفه الجنرال بيرتزين أيضا. ولكن الوضع تغير في عهد الدوق دوروفيقو، وهو القائد الرابع لما كان يسمى (الممتلكات الفرنسية في أفريقية)، أي الجزائر.

<<  <  ج: ص:  >  >>