ولم تكن مهمة البحث فى المظان تهدف الى جمع المادة وحشرها في الكتاب بدون رأي أو تمحيص أو ترتيب. فالكتاب، كما قلت يدرس الظواهر ويحللها ويعللها، كما يدرس الانتاج ويصنفه ويقيمه ويناقش المؤلفين آراءهم ومواقفهم ويصحح بعض الأخطاء. فمادة الكتاب اذن ليست كتلة جامدة من الحوادث التاريخية أو تجريدة احصائية للانتاج. وسنتبع ان شاء الله فى باقيه نفس الطريقة.
ورغم أنه كتاب لتاريخ الثقافة لا يكاد يستغنى عن أثر من الآثار فانه ليس مجرد حصر لهذه الآثار. على أنه تجدر الملاحظة الى ان بعض الآثار لم نتمكن من الاطلاع عليها والقراءة عنها فاكتفينا بوضعها في مكانها من فصول الكتاب انتظارا للكشف عنها. كما أنه ليس كتابا تراجم بالمعنى التقليدي، رغم أنه يضم عددا من التراجم، فالترجمة لأحد العلماء فيه هي جزء من موضوع وليست وحدة منفصلة لا حس فيها. حقا ان تداخل المواد وانتاج العالم الواحد فى عدة موضوعات وطغيان الحواشي وكتب التصوف والشروح جعل استقلال وحدات الكتاب أمرا شبه مستحيل. ولكننا حاولنا ان يكون الكتاب مرآة للعصر وفي نفس الوقت خاضعا للتصنيف المنطقي. ولم ينظر الكتاب الى التراث نظرة تقديس. فأنا لم أكتبه لكي يكون عملا يرضي العواطف الجهوية أو يدغدغ المشاعر الوطنية أو يهدهد النزعات الدينية. ذلك أن بعض الانتاج مليء بالخرافة، وبعضه مكتوب في مدح رجال لا يستحقون المدح، وبعضه كان منحظ الأسلوب، وبعضه كان أصحابه يعبرون عن موقف المحرومين والموتورين. ولكن ذلك كله كان تراثنا على كل حال. فهل نكتفي بالاشادة به وبأصحابه، كما فعل معظم من تعرضوا له حتى الآن؟ لا نعتقد أن ذلك سيكون فى صالح هذا التراث نفسه، كما اننا لا نعتقد أنه سيكون فى صالح الجيل الحاضر والجيل الصاعد الذي يرغب في معرفة الحقيقة.
ومع ذلك فان لهذا الكتاب رسالة واضحة. فنحن الى الآن لا نملك