للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عادة هو الذي يقوم بكتابته بصيغة معينة وبحضور الواقف والشهود، مع تحديد قيمة الوقف وتعيين أغراضه وكيفية الاستعادة منه وانتقاله وعوامل نموه وتخصيص المشرفين عليه وشروطهم، مع ذكر تاريخ الوقف وتوقيع الشهود والقاضي. فللوقف إذن وثيقة شرعية يستند عليها ويلتزم باحترامها الواقف وأهله والمستفيدون منه، وكذلك السلطة.

ولكن هذه الوثيقة لم تكن دائما محل احترام. فقد يسيء الوكيل التصرف في الوقف، وقد تتدخل السلطة فتحول فوائده إليها , ولذلك كان إهمال الأوقاف مصدر شكوى من المسلمين، وخاصة رجال الدين. ومن ذلك شكوى أحمد بن ساسي البوني أوائل القرن الثاني عشر من أن ناظر الوقف قد بذره حتى كاد ينضب. فهو يقول عن أحباس عنابة شاكيا إلى الداي محمد بكداش:

حبسها قد أسرفا ... ناظره فأشرفا

والشرع فيها باطل ... والظلم فيها هاطل (١)

ومن ذلك شكوى الورتلاني. وهو يتحدث عن قسنطينة، من أن ولاتها أهملوا الأوقاف، فضعف فيها العلم (٢). ونفس الشكوى كررها بصورة أوضح في حديثه عن بسكرة. فقال إن الترك قد استولوا فيها على الأوقاف (فأصبحوا يأكلون منها وينتفعون بها كالأملاك الحقيقية. وهي ليست لهم وليسوا من أهلها، ولكنهم تمردوا وطغوا وجعلوا جميع الخطط الشرعية لهم ظلما. وهذا سبب اندراس العلم وأهله من كل وطن يوجد فيه ذلك) (٣). وأخبر أحمد الزهار أن الأتراك قد جاروا (وأخذوا جمبع ديار الحرمين التي كانت بيد الفقراء وأخرجوهم منها) وذلك في


(١) ابن ميمون (التحفة المرضية) ورقة ٢٣، انظر فيه كذلك قصيدة ابن آقوجيل في نفس المعنى عن أحباس مدينة الجزائر. وهو يعني بكلمة (حبسها) وقفها وبكلمة (أشرف) هلك وفنى.
(٢) الورتلاني (الرحلة)، ٦٨٦.
(٣) نفس المصدر، ١١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>