الديني والاجتماعي نحو المجتمع الذي كانوا يحكمونه. حقا إن منشآتهم العلمية لم تتطور فتصبح جامعات شهيرة ومعاهد راسخة القدم، ولكن الحد الأدنى من العناية بهذه المنشآت يدل على نوايا بعضهم الحسنة والخيرة. ويبدو أن قصر المدة التي كان يبقاها كثير منهم في الحكم والعنف الدموي الذي كان يتسم به الحكم نفسه والانقلابات المتوالية هي التي كانت السبب في عدم تطور هذه المنشآت ومنع الكثير منهم من وقف أوقاف جديدة عليها وتعهدها بالعناية والتنمية. ومن الغريب أن بعض أوقاف المساجد ونحوها قد أوقفها عثمانيون كانوا في السابق على الدين المسيحي ولكنهم رضوا بالإسلام دينا، أمثال الحاج حسين ميزمورطو (١) وعلي بتشين، بل إن هناك مساجد وأوقافا قد أمر بها الوجق كله مثل الجامع الجديد الذي وضعت أوقافه تحت مؤسسة (سبل الخيرات العثمانية الحنفية).
ومن سوء حظ هذه المؤسسات أن الباشا الجديد كان في أغلب الأحيان خصما لسلفه فلا يحرص على استمرار سياسة خصمه الدينية أو العلمية أو الخيرية. فهو يبدأ من الصفر. وهكذا دواليك. فالمنشآت إذن ظلت فردية أو تنسب إلى الأفراد، كما أن الوقف في طبيعته كذلك. ولم تقم مؤسسة عامة تتعهدها الدولة والمجتمع بقطع النظر عن أشخاص الحكام وتطور المجتمع. والوقف في الحقيقة كان، بالنسبة للدولة، هو وزارة الثقافة والتعليم والدين والشؤون الاجتماعية مجتمعة اليوم، رغم أنه لم يكن هناك وزارة بهذا العنوان ولا بهذا المحتوى الشامل. فقد كان التعليم، كما سنرى، لا يهم الدولة، ولكنه يهم كل أفراد المجتمع بمن فيهم الحكام،
(١) كان له دور هام في سياسة الجزائر العامة. فقد تولى الباشوية (تمثيل السلطان) والدايليك (الحكم الحقيقي) ثم تخلى عن الوظيفة الأخيرة إلى نائبه (كاهيته) إبراهيم خوجة. وعندما تآمر عليه هذا عاد إلى الجمع بينهما وهرب إبراهيم خوجه بحياته. وقد تولى (ميزمورطو) فيما بعد قبطان الأسطول العثماني ومات في جزيرة شكيو التي انتصر فيها. انظر بيتز (حقائق) ١٢٢. وقد تحدث عنه أيضا ابن حمادوش وابن المفتي. ويقال إن الحاج حسين كان مريضا وضعيف البنية، ولذلك كان الأوروبيون يسمونه ميزمورطو أي نصف الميت. أما المسلمون فيسمونه الحاج حسين.