المقاصف والكونسيرفتوار والفرق الموسيقية لخدمة الجالية الفرنسية في الجزائر. وقد رأينا أن المطابع والتمثيل والصحافة وفرق الموسيقى، كلها قد تأخرت عشرات السنين في الظهور بالنسبة للجزائريين. ولذلك بدأت مقلدة في أغلبها لما كان شائعا منها على يد الفرنسيين. والمقلد قلما يتفوق على المقلد. وهذه المنشآت الثقافية الجزائرية واجهت صعوبات جمة سياسية ولغوية وتعليمية وفنية. فالقوانين كانت لا تسمح بحرية التعبير ولا الحركة ولا التجمع. والشعب قد أضرت به الأمية، وارتمى في أحضان الطرقية والخرافة، والذوق الفني والجمالي كان يعاني من البعد عن التراث وإنتاج الحضارة العربية - الإسلامية، وقد رأينا أن الصحافة العربية نفسها قد بدأها الأجانب، وأن الموسيقى كما سنرى، قد سجلها أحد اليهود، وأن المسرح كان يعتمد في أوله على بعض الممثلين الأجانب أيضا، وأن المطابع كانت كلها أجنبية إلى أوائل هذا القرن.
ومع ذلك فإن نهاية الحرب الثانية قد عرفت انطلاقة كبيرة في عدة ميادين ثقافية كانت من قبل محتكرة للأجانب. وإذا كانت المكتبات العامة والمتاحف والإذاعة ظلت من احتكار السلطة الفرنسية، فإن الصحافة والمسرح والمطبعة والموسيقى ونحوها قد تحررت وأخذ المبدعون الجزائريون يؤسسون الصحافة والمطابع والفرق الموسيقية والتمثيلية. وساندت حركة الشعر والغناء وانتشار التعليم هذه المنشآت. كما وظفت الأحزاب السياسية والجمعيات هذه الوسائل للنهضة وتوعية الجمهور.