المكتبة في إحدى المناسبات مع بعض الزملاء، زيارة قصيرة خلال الثمانينات. فالمكتبة البوعبدلية إذن سمعت عنها وتراسلت بشأنها مع صاحبها ثم زرتها شخصيا.
أثناء زيارتي رأيت عدة خزائن تمتد على حيطان غرفتين واسعتين في شكل قاعتين متصلتين. والخزائن عالية ومليئة بالكتب المخطوطة والمطبوعة. وتظهر من ضمنها مخطوطات غير موضوعة في أماكنها، ومجاميع، وجرائد، ووثافق، وسجلات. لا نستطيع أن نقدر عدد الكتب ولا أن نعرف موادها ولا عدد الوثائق والرسائل. وكل ما نعرف أن الشيخ المهدي، كان مهتما بالتراجم والتاريخ والمناقب والشعر الفصيح والزجل (الملحون) والتصوف والفقه والأدب والأنساب. وهو من العلماء الأفذاذ في الحفظ والنوادر، ومن الذين تخرجوا من جامع الزيتونة. وكان مترددا بين الوظيف الفرنسي والحركة الإصلاحية، وقد خسره الإصلاح رغم ميوله إليه وفاز به الوظيف عند الفرنسيين. فتولى الفتوى في عدة أماكن منها بجاية وأم السنام (الأصنام) حيث جمع واشترى المخطوطات النادرة.
وسأترك الآن الشيخ المهدي يتحدث بنفسه عن مكتبته. ففي رسالة منه إلي بتاريخ ١٤ مايو ١٩٨٨. (حسب طابع البريد) من بطيوة قال (كنت اتفقت مع بعض الأصدقاء على ترتيب ما أملكه من الوثائق الأصلية وتصويرها، وقد ساعدتني التلفزة الجزائرية بالتقاط صور بعض هذه الوثائق النادرة الراجعة إلى تاريخ بلادنا الثقافي والعقائدي والسياسي، وخطوط بعض مشاهير علمائنا وزعمائنا. وسأطلعكم على بعضها إن شاء الله ...).
وفي مراسلة أخرى أقدم من السابقة ترجع إلى ٢٣ مارس سنة ١٩٨٠، قال: أما تآليف أحمد بن يحيى الونشريسي (وكنت قد سألته عن بعضها) فعندي مجموعة خطية كنت اشتريتها من أسرة مغربية، ولا زلت لم أتصفح ما فيها، إذ كان بلغني أنه يوجد بها (كتاب) الوفيات (سألته عنه) ولم أجدها. وكل ما عثرت عليه من تآليفه (الونشريسي) الهامة إجازته - كما سماها - وفي