لم يشعروا بالحاجة إليه. ولكنه قال أيضا ان بعض الأجواق أو الفرق قد تألفت بالعاصمة ولكنها سرعان ما اختفت بعد تمثيل مسرحية أو اثنتين. وقد أقر أن جوق مدينة الجزائر كان يمثل بعض المسرحيات خلال شهور رمضان من كل سنة، وهي روايات بالعامية ومستخرجة من ألف ليلة وليلة أو مقتبسة من مسرحيات فرنسية. وفي نظره أن هذا النوع من التمثيليات لقى رواجا حسنا. ولكنه لم يعطنا نماذج له. ومن رأيه أيضا أن الشعب مستعد لدعم المسرح العربي (يقصد بالفصحى) وأن الوقت قد حان لجمع الشمل وإنشاء المسرح العربي الذي ستكون له رسالة خاصة، وهي الارتقاء بالأخلاق والآداب والذوق الاجتماعي وتعليم العربية. ولم يذكر المدني سوى مدينة الجزائر عندما دعا إلى الارتفاع بالعامية إلى مستوى الفصحى لقلة من يفهم هذه بين العمال والمتعلمين بالفرنسية فقط. فقد دعا المدني إلى إيجاد عربية وسيطة في البداية بين العامية والفصحى. وأرجع انعدام المسرح في مدن تفهم العربية مثل قسنطينة وتلمسان وبسكرة إلى أسباب مادية في أغلب الظن (١).
والحق أن مؤرخي المسرح الحديث في الجزائر يرجعونه إلى أوائل العشرينات من هذا القرن. وكلهم يلحون على أنه (ظاهرة جديدة) وكان ذلك بعد زيارة فرقة مصرية سنة ١٩٢١ على رأسها جورج أبيض. وقد مثلت هذه الفرقة مسرحيتين الأولى ثارات العرب والثانية صلاح الدين الأيوبي (سبق تمثيلها في الجزائر سنة ١٩١٣ من قبل فرقة تونسية، انظر سابقا). والمسرحيتان من تأليف جورج حداد.
ويذهب النقاد إلى أن الفرقة المصرية فشلت في الوصول إلى الجمهور، وهم يرجعون سبب ذلك إلى استعمالها اللغة الفصحى التي لم يفهمها جمهور العاصمة عندئذ. وهذه الحجة تذكرنا بما يقال هذه السنوات عن التلفزة الجزائرية عندما تعرض حصصا بالفصحى. وهي حجة استعملها أنصار الفرنكفونية، لأنهم لا ينتقدون التلفزة نفسها إذا عرضت حصصا
(١) أحمد توفيق المدني (كتاب الجزائر)، ١٩٣١، ص ٣٤٢ - ٣٤٣.