الآخرين قبل أن يدرسها ويندمج مع عازفيها ويتذوقها وتعود أذنه عليها. وقد روى علاقته بها في عبارات دالة. فقال إنه سكن العاصمة منذ ١٨٥٣، وكان في أوقات فراغه يعزف الموسيقى العربية، ولكنه لم يفهمها في البداية، فأخذ يخالط أهلها وعاش معهم وعزف على آلا تهم، وبحث عندهم عن النغمة والنبرة والآلات والإيقاعات. وظهر له أنها موسيقى تحتوي على نوطة وقواعد متينة، ولكنها كانت تبدو له ولأمثاله نوعا من الضجيج والصخب. ثم كرس حياته لها فدرسها عن كثب ودرس الأشعار الغنائية وأنواع الرقص المرافقة لها. ولاحظ أن الأوروبيين لا يتذوقون هذه الموسيقى ولا يحسون بجمالها، لأنهم لم يتعو دوا على سماعها.
ثم أخذ سلفادور يسجل ملاحظاته على الموسيقى العربية عموما. والجزائرية خصوصا، بعد أن تجول في البلاد، وزار تونس والإسكندرية والأندلس، وجمع الأغاني الشعبية حتى بلغ ما جمعه ٤٠٠ أغنية. ومن رأيه أن العرب قد استعاروا الموسيقى من الإغريق بواسطة آلتي القصبة والجواق (الناي). وقال إن الموسيقى العربية المعاصرة هي نفسها الموسيقى التي كانت شائعة منذ القرن الثالث عشر الميلادي (عصر الحروب الصليبية) وزعم أن الأوروبين أنفسهم لا يعرفون شيئا تقريبا عن الموسيقى السابقة لذلك العهد. وحكم سالفادور أن الموسيقى العربية موسيقى سماعية محفوظة في الذاكرة فقط وهي غير مسجلة. وأن العرب لم يحتفظوا بنظريات موسيقية سالفة. والذاكرة وحدها لا تكفي في هذا المجال بل لا بد من التدوين، لأن كثيرا من الإيقاعات السابقة قد ضاعت ونسيها الناس. وروى سالفادور بعض آراء الدكتور بيرون في المرأة العربية والموسيقى (١). ومن رأي سالفادور أن الأوروبيين الذين كتبوا عن الموسيقى العربية كانوا غالبا يجهلونها. وأنهم
(١) الدكتور بيرون (المرأة العربية منذ الإسلام). وكان بيرون قد اشتغل في مصر سنوات طبيبا وأستاذا في مدرسة الطب التي أسسها الفرنسيون في مصر، ثم عينه نابليون الثالث مديرا للمدرسة السلطانية (الامبريالية) في الجزائر التي أنشأها سنة ١٨٥٧. وكان سالفادور معاصرا لبيرون أثناء كتابة بحثه عن الموسيقى العربية. عن بيرون انظر فصل الاستشراق، وكذلك فصل التعليم المزدوج.