للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعاصمة (١). فصراحة الورتلاني إذن كانت في محلها وكان بذلك يعبر عن رأي فئة العلماء في البلاد كلها. فهذه الفئة، كما سنرى، كانت تعيش من المساجد وأوقافها، فإذا ضعفت العناية بالمساجد أو قلت أوقافها افتقرت فئة العلماء وسخطت على الحكام.

٤ - ومع ذلك فإن المساجد القائمة، ولو كانت في غير المدن الرئيسية، كانت تلفت نظر الرحالة وتثير إعجابهم. فالعياشي قد وجد صومعة جامع تماسين عالية جدا تحتوي على حوالي مائة درجة. كما أشاد الورتلاني نفسه ببعض مساجد قسنطينة حين قال إن بعضها (متقن إتقان مسجد الباشا بطرابلس، حتى كأن بانيهما واحد) وكل من العياشي والدرعي قد أشاد بجامع بسكرة الذي كانت له مئذنة في غاية الاتقان والطول والسعة تقدر الدابة على الصعود إليها وأدراجها مائة وأربعون درجة. والمسجد واسع جدا متقن البنا الخ (٢). ولا شك أنه كان في بسكرة، بالإضافة إلى الجامع الكبير، بعض المساجد الصغيرة. والدرعي نفسه قد أعجب بمسجد عين ماضي المبني على ربوة بأحجار كأنها منحوتة لاستقامتها، وهو مفروش بقطائف وحصر جيدة. وله نور يعلوه (٣). وكذلك الحال بالنسبة لجوامع سيدي عقبة وأولاد جلال وتقرت وغيرها من القرى والمدن الصغيرة.

وقد أعجب الأوروبيون أيضا بهندسة بناء المساجد في المدن الجزائرية وعرصاتها المرمرية وزخرفتها بالفسيفساء والنقوش العربية وفرشها بالزرابي الغنية والحرير المطرز أحيانا. وهذا ما جعل الفرنسيين يختارون أجمل وأتقن هذه المساجد ويحولونها إلى كنائس كجامع كجاوة الذي حول إلى كاتيدرالية


(١) عن آثار الباي محمد الكبير بالنسبة للمساجد انظر مقالة ليكليرك عن مساجد معسكر في (المجلة الإفريقية) ١٨٥٩، ٤٣. وكذلك أبحاث شارل بروسلار عن مساجد تلمسان في (المجلة الإفريقية) ١٨٥٨ وما بعدها. ولا بد من العودة إلى كتاب (البستان) لابن مريم فهو مفيد في موضوعنا في القرن العاشر وبداية الحادي عشر.
(٢) الدرعي (الرحلة) مخطوط الجزائر، رقم ١٩٩٧.
(٣) نفس المصدر.

<<  <  ج: ص:  >  >>