وبعده بحوالي خمسين سنة جاء الورتلاني لينعي على العثمانيين عدم عنايتهم بالمساجد وأوقافها، وخاصة منهم ولاة قسنطينة وبسكرة. وقد نحى الورتلاني باللائمة على المغاربة عموما (وهو يعني الجزائريين - لأنه كان معجبا بعمل التونسيين والطرابلسيين وهو لم يعرف المغرب الأقصى وإنما عمم كذلك حتى يتهرب من توجيه التهمة المباشرة للعثمانيين) لعدم عنايتهم ببناء المساجد: (فلا تكاد ترى في مدائنهم مسجدا عظيما قد أحدث بل ولا مهدما قد جدد، ولا واهيا قد أصلح، بل لو سقط شيء من أكبر مساجدهم فأحسن أحوالهم فيه إن كان مبنيا برخام أن يعاد بآجر وجص، وإن كان مجصصا أن يعاد بطين، بحيث تجد المسجد كأنه معرقة فقير هندي فيه من كل لون رقعة. وما أرى ما حل بمغربنا من الوهن إلا بسبب أمثال هذا)(١). وهذا بدون شك اتهام قاس ضد العثمانيين في الجزائر، وهو أيضا اتهام ضد الجزائريين عموما. فالورتلاني كان يعرف تونس وجامع الزيتونة وشاهد ودرس في الجامع الأزهر وغيره من مساجد مصر، وكان قد عاد من الحجاز ومن الحرمين الشريفين ومن دمشق وجامعها الأموي، فلا غرو أن يصطدم بعدم وجود شيء من ذلك (في مغربنا) أو (وطننا) كما كان يطلق أحيانا على الجزائر.
ومما يؤكد هجوم الورتلاني محاولة بعض البايات تلافي هذا النقص أواخر القرن الثاني عشر (١٨ م). فقد نهض صالح باي قسنطينة يتدبر الأمر ويحصي المساجد وأوقاتها ويحاسب القائمين عليها من الوكلاء عليها وأمثالهم. وجدد بعضها وأنشأ لذلك مجلسا علميا خاصا للنظر في شؤونها. وقد فعل الباي محمد الكبير, فعلا مشابها لذلك في معسكر. كما رمم وبنى مساجد جديدة ليس فقط في عاصمته بل في مدن أخرى كتلمسان
(١) الورتلاني (الرحلة)، ٢٦٦، وفي صفحة ٦٦٣ أشاد الورتلاني بموقف ولاة تونس لعنايتهم بالعلم والعلماء وتحبيس الأحباس (الأوقاف) على المدارس الخ. لذلك قلنا إنه كان يعني في هجومه ولاة الجزائر فقط.