للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التدخلات الأجنبية التي كانت تلعب بمصائر الشعوب من أجل مصالحها الخاصة. وقد وظف الأمير سمعته وماله ورجاله من المهاجرين لحماية الضعفاء. وكان أغلب جنوده في هذه القضية من أهل زواوة الأوفياء، والشجعان، وكان موقف الأمير يستجيب أيضا. لمصلحة القنصلية الفرنسية في دمشق فساندته. وخرج الأمير والجزائريون من هذه القضية متوجين بنصرة الحق وحماية وحدة الشعب السوري وشكر العالم المسيحي.

وإذا كان موقف الأمير عندئذ قد أثار استغراب بعض المسلمين في دمشق - لأنه حمى المسيحيين - فانه قد أثار استغراب ودهشة المسلمين الجزائريين أيضا. فقد اعتبروه موقفا متحالفا مع الفرنسيين والمسيحيين. يقول فرنسي كان بالجزائر عندئذ ان الفرنسيين حاولوا، بدون جدوى، شرح ما قام به الأمير في دمشق والأسباب السياسية التي قادته إلى ذلك للزعماء الأهالي، ولكنهم لم يكادوا يصدقون. فقد كانوا لا يرون إلا شيئا واحدا وهو أن الأمير قد اتحد (تحالف) مع المسيحيين، وظلوا مندهشين. ولم تختف دهشتهم بالتدرج، إلا عندما قام نابليون الثالث بزيارة الجزائر، وهو الذي كانوا يعتبرونه (سلطان الفرنسيين) (١).

إن النياشين والأوسمة التي غطت صدر الأمير قد وصلت إليه بعد حادثة سنة ١٨٦٠. وكانت الأوسمة من مختلف ملوك وأمراء أوروبا وأمريكا، وهي نوع من (جائزة نوبل) للسلام بمفهوم وواقع عصرنا، مهما كانت الخلفيات التي وراءها. وفي تقديرنا أن الأمير قام بواجبه الشرعي والإسلامي والإنساني كرجل شهم وشريف ومجاهد، دون حسابات أخرى. وله مواقف سابقة في الجزائر تشهد على أريحيته وتسامحه، رغم أن بعضهم قد يفسر ذلك على أنه سذاجة سياسية أو على الأقل سياسة لم يوافق عليها ميكيافيلي. ومن الذين وشحوا صدر الأمير: السلطان عبد المجيد الذي أرسل إليه الوسام


(١) بورجاد (ملاحظات .. على الاحتلال الفرنسي لسور الغزلان)، المجلة الإفريقية، ١٨٨٩، ص ٢٩٣ - ٢٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>