العثمانية بالطبع غير مرتاحة لهذه المساعي العربية والدولية، لأنها مساعي تهدم وحدة الدولة وتفرق بين العرب والترك. وقد فهم الأمير عبد القادر هذه اللعبة الخطرة فتفاداها بحكمة، وحافظ على وحدة الدولة الإسلامية، ولم يقع في فخ بعض الدول الكبرى التي كانت تريد أن تجعل منه مطية لتكسيرها، كما فعلت بعد حوالي ستين سنة مع الشريف حسين. ولو رضي الأمير بمخططاتها لكان مصيره ربما هو نفس مصير الشريف حسين، من يدري؟ ومهما كان الأمر فإن الأمير لم يكن من المغامرين ولا من المتعجلين.
والأسماء العربية التي ذكرناها كانت قليلا من كثير. فالمعجبون به والمراسلون له والمادحون والمستغيثون به أكثر من أن نحصيهم هنا. وفي كتاب (تحفة الزائر) و (حلية البشر) نماذج منهم. من أصدقاء الأمير في دمشق محمد الطنطاوي، وسليم الحمزاوي، وعبد السلام الشطي. وكان الشطي شاعرا، وعالما، ويبدو أنه كان طموحا وهجاء أيضا، فهجا شيخه الطنطاوي، ولكن الأمير أرسل إلى الشطي وأهانه في داره بحضور جماعة من العلماء حتى ساءت حال الشيخ الشطي المعنوية والجسمية، ثم أرسل إليه الأمير يستسمحه. أما محمد الطنطاوي فأرسله الأمير إلى قونية لمقابلة نسخة (المواقف) بفتوحات ابن عربي.
أما سليم الحمزاوي - الأخ الأكبر لمحمود الحمزاوي مفتي دمشق عندئذ - فهو شخصية مستقلة فيما يبدو، وكان ولوعا بالسلاح والرماية، وكان يكسب رزقه من عرق جبينه كما ذكر المترجمون له. وكان يخرج مع الأمير في جولات ورحلات. ومنها ذهابهما معا إلى الحج والمجاورة في جملة من العلماء والأشراف. وعندما مروا بقناة السويس جاءتهم دعوة من الخديوي إسماعيل لحضور إحدى حفلات أولاده التي دامت سبعة أيام. وقد احتفى الخديوي بالأمير عبد القادر ورفاقه احتفاء باهرا. وأخذت لهم خلال ذلك صور تذكارية. ثم واصلوا الطريق إلى مكة (١) ..
(١) منتخبات تاريخ دمشق ٢/ ٦٧٣، ٢/ ٧٢٩. في هذا المصدر ترجمة طويلة للأمير، =