الفرنسيين. ذلك أن المدة التي نعالجها دامت أكثر من قرن. وقد تعددت خلالها الزيارات، وكان بعضها قد رافقته ضجة وحديث طويل. ولذلك سنكتفي بنماذج فقط، وأحيانا بالأسماء فقط محيلين على بعض المراجع الأخرى لمن أراد المزيد من المعرفة.
ولعل أحمد المصطفى بن طوير الجنة هو أول من دخل الجزائر غداة الاحتلال قادما من الحج وعابرا إلى الغرب ثم ودان (موريطانيا). وكان ذلك سنة ١٨٣٢. وأثناء ذهابه إلى الحج مرورا بالمغرب كان سيعبر الجزائر ولكنه علم باحتلالها وأن الطريق منها محفوفة بالخطر فركب من طنجة، ولكنه أثناء الرجوع حل بتونس ودخل منها إلى الجزائر، واحتفت به السلطات الفرنسية باعتباره من الشخصيات الدينية والسياسية لعلها تحصل منه على معلومات وتقيم علاقات معه من جهة إقامته، وكذلك من جهة المغرب الأقصى. فاستقبلوه في الجزائر استقبالا خاصا، وأظهروا له الإكرام والاهتمام وأركبوه سفينة لهم إلى جبل طارق. وظلوا يتابعون أخباره حتى بعد وصوله إلى المغرب ثم إلى مقر إقامته. وقد سجل ابن طوير الجنة بعض الملاحظات على الجزائر والفرنسيين في رحلته التي نشرت بالإنكليزية فقط حتى الآن، وهي بعنوان (رحلة المنى والمنة)(١).
وبعد حوالي سنة حل بالجزائر الحاج موسى الدرقاوي. ولم يكن هذا من رجال الرحلة والملاحظة ولكن من رجال الجهاد والتصوف. قيل أنه مصري جاء إلى ليبيا وأخذ ورد الطريقة المدنية - الدرقاوية، ثم سار إلى المغرب الأقصى حيث مقر الطريقة الدرقاوية، ومن هناك علم بحركة الجهاد في الجزائر ضد الاحتلال، فدخلها واتصل برجال الجهاد الأولين أمثال محمد بن عيسى البركاني، والحاج سيدي السعدي، والحاج محيي الدين بن مبارك، وقد عقدوا جميعا مؤتمرا في متيجة سنة ١٨٣٣ ونسقوا حركة الجهاد فيما بينهم. ورغم أنه درقاوي (أي ليس من طلاب الحرب والسلطة الدنيوية)
(١) انظر حديثنا عن هذه الرحلة في كتابنا (تجارب في الأدب والرحلة)، الجزائر ١٩٨٢.