للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرنسية غير عادية، كالجزائر. ذلك أن علاقة هذا الشيخ بالورد كرومر حاكم مصر أصبحت ودية، ولم يكن الاتفاق الودي (١٩٠٤) بين فرنسا وبريطانيا قد وقع بعد. غير أن صاحب المنار الشيخ محمد رشيد رضا استعمل عبارة غامضة حين نسب المبادرة إلى الشيخ عبده نفسه إذ قال ان هدفه كان الإطلاع بنفسه على أحوال المسلمين وتتبع آثار الإسلام.

ومنذ إبريل ١٩٠٣ كتبت المنار مقالة بعنوان (فرنسا والجزائر) كأنها تمهيد لزيارة الشيخ عبده. وقد جاء فيها بعض (النصائح) للدولة الفرنسية (العظيمة) بأن (تعامل مسلمي مستعمراتها بالحسنى لتملك قلوبهم وتأمن غائلتهم). وفرقت المنار بين معاملة الحكومة الفرنسية وإدارتها في الجزائر، وقالت معتذرة ان فرنسا لم تكن مرتاحة للمعاملة القاسية التي تعامل بها مسلمي الجزائر، ولكنها ترى أنها هي الطريقة الضرورية (؟) إلى أن يأتي ما هو خير منها. وأشارت المنار إلى زيارة رئيس الجمهورية الفرنسية للجزائر (١٩٠٣) ووعده الأهالي بأن زيارته ستتلوها معاملة أفضل لهم (١). وكانت المنار معتدلة جدا، في معالجة العلاقة بين الجزائر وفرنسا.

كان الشيخ عبده قد زار أوروبا عدة مرات، خصوصا سويسرا وبريطانيا وفرنسا. وكان في أوروبا خلال صيف ١٩٠٣، فزار الفيلسوف الإنكليزي هربرت سبنسر في العاشر من شهر غشت، وتحادثا عن حالة الشرق والغرب. ومن بريطانيا حل بفرنسا وقضى في باريس حوالي أسبوعين، ولعله اتصل بالسلطات الفرنسية لتسهيل زيارته للجزائر أو جرى الاتصال به لترتيب هذه الزيارة، إذ لا بد من رخصة خاصة لدخول الجزائر، وهذه الرخصة لا تمنح إلا لمن تعهد بعدم إثارة الشغب والخوض في المسائل الحساسة والسياسية. ومما يدل على (ترتيب) الفرنسيين لهذه الزيارة أن الشيخ عبده قد وجد الشيخ أيا القاسم الحفناوي في انتظاره بمرسيليا لمرافقته إلى الجزائر، دون إعلام مسبق. وكان الحفناوي عندئذ محررا في جريدة المبشر التي تصدر عن


(١) مجلة (المنار) ٤ أبريل ١٩٠٣، ص ٧٩ - ٨٠. انظر لاحقا.

<<  <  ج: ص:  >  >>