وخصومة بينه وبين بعض معاصريه، وعلى رأس هؤلاء الشيخ محمد الصالح بن مهنة ومحمد بن عبد الرحمن الديسي. وكان منطلق التخاصم بينهم هو الموقف من (عصاة الأشراف) هل هم ناجون من العقوبة الإلهية؟ ثم عمت الخصومة مسألة الشرف، وكانت مسألة حساسة عندئذ، صادفت هوى في نفس الإدارة الفرنسية التي ضاقت بالأشراف الثائرين ضدها أو الذين كونوا لأنفسهم سمعة خاصة وامتيازات لدى المواطنين، فكانت الإدارة تريد تكسير هذا الحاجز بينها وبين المواطن البسيط لاستغلاله على أوسع نطاق وإخراجه من تأثير طبقة الأشراف الساخطين علها.
نحن هنا لا تعنينا أبعاد المسألة السياسية والاجتماعية، وإنما تعنينا ناحية واحدة منها وهي تنويه الشيخ عاشور بالشيخ أبي الهدى الصيادي نقيب الأشراف في الدولة العثمانية والمستشار السياسي والديني للسلطان عبد الحميد الثاني. وقد كان الصيادي من أعداء السيد جمال الدين الأفغاني، وهو الذي حجم حركته السياسية المناهضة للحكام، وجعل السلطان يتبنى حركة الأفغاني لصالح الخلافة العثمانية. وكان الصيادي قد نشر كتابا بعنوان (ضوء الشمس)(١)، فأخذ الشيخ عاشور الخنقي ينوه بالكتاب وبالشيخ الصيادي باعتباره نقيبا للأشراف. وكان الخنقي يغتنم الفرصة ليهجو معاصره ابن مهنة على تقليله من أهمية الشرف وقوله ان الأشراف مثل كل الناس يحاسبون على أعمالهم في الخير والشر. وفي القصيدة الطويلة (٧٣٣ بيتا) التي سماها الخنقي (حسن الأمل في فضل الشرف المجرد عن العمل)، جاء قوله:
لله در (أبي الهدى) فيما زبر ... بكتاب (ضوء الشمس) في الخمس الكبر
شيخ الشريعة والطريقة والحجا ... صدر النقابة في بني الزهرا الخير
وقد مدح الشيخ الخنقي السلطان عبد الحميد الثاني أيضا، واعتبره قد
(١) طبع الكتاب مرتين، وهو في جزئين، وموضوعه السيرة النبوية والتصوف والشرف. وقد قرظه عدد من علماء الوقت ليس منهم الشاعر الخنقي.