وكان وهو في وهران مهتما أيضا بإخراج الكتب الموجهة للتعليم المدرسي، ولكنه قام بعمل مضن رفقة زميله (مارتيل) الذي كان من مدرسة الحقوق، وهو ترجمة (تحفة الحكام) لابن عاصم. وقد اشتغل فيها هوداس قرابة العشر سنوات. وبعد رجوعه إلى باريس، كان يبحث وينشر أعمالا ليست بالضرورة حول الجزائر، ففيها ما هو حول الأدب العربي عموما والسودان ومنطقة المغرب العربي، بل إنه ترجم نصوصا من صحيح البخاري. ومما انتقده عليه زملاؤه المستشرقون أنه كان يتعجل النشر لأعماله ولا يدقق كثيرا (١).
قلنا إن هوداس تولى حلقة اللغة العربية الجديدة في المعهد السلطاني (الكوليج الامبريالي) بالجزائر سنة ١٨٦٣. وكان ذلك على إثر مسابقة جرت في ١٠ يوليو من نفس العام. وفاز فيها هوداس. وإلى ذلك الحين كان مدير المعهد هو نقولا بيرون الذي تولى الإدارة منذ ١٨٥٧. وكانت الحكومة الفرنسية تفكر، كما ذكرنا، في إنشاء كوليج عربي - فرنسي في باريس سنة ١٨٤٦، يستقبل أبناء الجزائر، ويكون بوتقة تنصهر فيها عناصرهم مع العناصر الفرنسية قبل أن يعودوا مؤهلين إلى الجزائر لنشر الأفكار الفرنسية. وكان الفرنسيون قد فعلوا شيئا من ذلك مع أبناء مصر في عهد محمد علي باشا. وكانت هذه الفكرة تتماشى مع سياسة بوجو في الجزائر. وقد اقترح لإدارة هذا الكوليج الدكتور بيرون الذي سبق له العمل في مصر، والذي صادف وجوده في باريس سنة ١٨٤٦. وقد قبل بيرون بالمسؤولية الجديدة، وترك مدرسة الطب المصرية، ولكن مشروع الكوليج ظل يتعثر إلى أن استقال بوجو وانهزم الأمير ووقعت الثورة الفرنسية ١٨٤٨، وأخذت السلطات الفرنسية الجديدة تهتم بالجزائر من جانب آخر، وهو الادماج في فرنسا، فاشتغل بيرون بترجمة مختصر الشيخ خليل في الفقه المالكي ضمن أعمال لجنة (اكتشاف الجزائر العلمي). وكان على بيرون أن يرجع إلى مصر سنة ١٨٥٣ كطبيب.
(١) عنه انظر هنري ماسيه (الدراسات العربية ..) وعن مرافقته للوزير كومبس انظر فصل التعليم الفرنسي والمزدوج.