وإدارة الشؤون الأهلية، والمجالس النيابية المختلفة، والمكتبة العامة، والجامعية كلها كانت في العاصمة.
لا يمكن أن نفهم بحق نشاط وفعاليات الاستشراق الفرنسي خلال هذه الفترة ١٨٨٠ - ١٩٢٤ إلا بإعطاء نبذة عن حياة رينيه باصيه. ذلك أن اسمه وحده يذكر المرء بأعمال مدرسة ثم كلية الآداب خلال أربعين سنة في خدمة الاستشراق الفرنسي في الجزائر وتسخيره لخدمة الإدارة الاستعمارية بكل حرص. وقد أثر باصيه تأثيرا كبيرا على جيلين على الأقل من تلاميذه الفرنسيين والجزائريين الذين سنذكر بعضهم. وانتصب أولا لتدريس العربية ثم البربرية، وجند جندا من المخلصين له ووظفهم للتدريس والبحث والتأليف والنشر، وكانت الحكومة العامة والدوائر (الكولونيالية) تسانده بالمال للقيام بأبحاثه الخاصة وأبحاث تلاميذه وبعثاتهم ورحلاتهم. وتوجته سنة ١٩٠٥ برئاسة مؤتمر المستشرقين الدولي الرابع عشر في الجزائر. وظل على مجده إلى وفاته سنة ١٩٢٤.
ولد باصيه سنة ١٨٥٥ في فرنسا. وأظهر منذ أولياته اهتماما باللغات الشرقية، ولا سيما العربية. وقد اشتغل حوالي سبع سنوات في مدرسة اللغات الشرقية بباريس ومدرسة الآداب العليا قبل أن يأتي إلى الجزائر سنة ١٨٨٠ كان عمره عندئذ ٤٤ سنة، في أوج عطائه وطموحه. ومنذ وصوله تولى تدريس الأدب العربي القديم (الجاهلي) ونشر كتابا في ذلك. ثم تولى تدريس اللغة العربية بعد سفر هوداس إلى فرنسا، كما أشرنا. ويقال عنه إنه ظل وفيا في منهج التدريس لتجربته في المدرسة العليا فرنسا، ومن حيث التوجه كان مستشرقا محترفا، أما سياسيا فقد كان مقتنعا بخدمة العلم لسياسة الإدارة الاستعمارية. وفي سنة ١٨٨٥ أصبح من الأساتذة المرسمين، ثم تولى منذ ١٨٩٤ إدارة المدرسة العليا في الجزائر على إثر وفاة إميل ماسكري الذي سنترجم له. ويعد تحول المدرسة إلى كلية سنة ١٩٠٩ أصبح باصيه عميدا لها إلى وفاته. فإذا ذكرت مدرسة الآداب أو كلية الآداب خلال هذا العهد الطويل فكأنما ذكر إسم رينيه باصيه.