١٩٠٦. أما مدرسة تلمسان فقد عاشت هي أيضا عهد الاندماج والاستشراق النشيط منذ ١٨٧٩ فقد تولاها أولا ماشويل سنوات قليلة، ولكنه نقل سنة ١٨٨١ إلى تونس ليتولى شؤون التعليم فيها، ومن ثمة نرى هذه العلاقة الوطيدة بين الإدارة وأساتذة الدراسات العربية. وقد خلفه على مدرسة تلمسان ديلفان. وعندما انتقل هذا إلى مدرسة الجزائر (الثعالبية)(١) خلفه موليراس في تلمسان. ثم تداول على مدرسة تلمسان عدد آخر من المستشرقين أبرزهم ألفريد بيل الذي طال عهده فيها وكان تلميذا لباصيه. وهكذا تجاوبت أصداء الاستشراق من غرب البلاد إلى شرقها. وسنتحدث عن إنتاج المستشرقين بعد قليل.
كان طبيعيا أن تكون العاصمة هي القلب النابض لحركة الاستشراق، لعدة أسباب، منها وجود المدارس العليا الأربع فيها، ثم الجامعة، ووجود مدرسة خامسة (المدرسة الشرعية) يشرف عليها أيضا المستشرقون رغم أنها مخصصة لتخريج القضاة والمدرسين. وبالتدرج تحولت هذه المدرسة من مدرسة شرعية إسلامية عربية اللغة إلى مدرسة استشراقية أيضا، سيما بعد ١٨٩٥ عندما تغيرت برامجها. وليس هناك بين هذه المدارس تنافس، كما قد تتخيل بل تكامل مطلق. وقد أضيف إلى مدرسة الجزائر (الثعالبية) قسم عال ابتداء من سنة ١٨٩٥، مما جعلها تخدم المصالح الاستعمارية أكثر من ذي قبل، ورغم وجود نخبة عربية اللسان والهوى أمثال المجاوي وابن سماية وابن زكرى، فإن إطار الاستشراق كان طاغيا على الثعالبية. ومن الأسباب أيضا قرب هذه النواة النشيطة للاستشراق من موقع القرار، فالحكومة العامة،
(١) لم يطلق هذا الاسم عليها إلا سنة ١٩٠٤ عند تدشين المدرسة الجديدة في عهد الحاكم العام جونار، وكانت بالقرب من ضريح الشيخ عبد الرحمن الثعالبي. ونحن نطلق مدرسة الآداب على المدرسة الفرنسية التي تحولت إلى كلية والمتصلة بالتعليم الجامعي الفرنسي، والمدرسة الثعالبية وأحيانا مدرسة الجزائر فقط على تلك المتخصصة في الدراسات العربية والاسلامية. وهي إحدى المدارس الثلاث الشرعية - الفرنسية. فيجب عدم الخلط بين هذه الأسماء.