للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن أعمال المستشرقين خلال المرحلة الأولى قد شملت تقريبا مختلف الميادين، ولكنها كانت تتميز بميزتين، الأولى كونها استكشافية لمعرفة المجتمع الجزائري ومصادره ولهجاته وعقائده وعلاقاته وتاريخه. والثانية قلة المستشرقين المحترفين والاعتماد على المستشرقين المترجمين. وكان معظم هؤلاء من العسكريين الذين يؤدون مهمات عسكرية وإدارية أكثر مما كانوا يؤلفون ويبحثون. وقد يكون هذا راجعا أيضا إلى عدم وجود المؤسسات الفرنسية العلمية في الجزائر. فالمدارس كانت ابتدائية أو متوسطة (كوليجات) فقط، ولم تظهر أول ثانوية إلا خلال الستينات من القرن الماضي. وكانت مدرسة الطب قد فتحت سنة ١٨٥٧ فقط، ولم يكن لها عندئذ إمكانات الانطلاق أيضا. كما أن الجهود الفرنسية كانت منصبة على الاحتلال العسكري ومواجهة المقاومة والثورات من جهة، وتثبيت الاستيطان المدني وإحداث مراكز الهجرة الأوروبية من جهة أخرى. فالاهتمام بالبحث العلمي، والاستشراق جزء منه، كان ما يزال في مرحلته الأولى، كما قلنا.

ومن الجهود الجماعية العلمية خلال المرحلة الأولى مشروع اكتشاف الجزائر الذي أشرنا إليه والذي بدأ منذ ١٨٣٩. فقد تكونت له لجنة برئاسة العقيد دي سان فانسان. وضمت اللجنة عددا من المستشرقين والمترجمين والعلماء الآخرين الذين ليس لهم علاقة بالاستشراق والترجمة، وفيها العسكريون والمدنيون. وكانت الدولة قد خصصت للمشروع ميزانية لجمع المادة والتنقلات ونشر النتائج. وقد صدر من هذا المشروع عدة مجلدات. ومن الذين شاركوا في اللجنة من المستشرقين والمترجمين: بيربروجر، وكاريت، وبيليسييه دي رينو، ووارنييه، واونفنتان. وقد ذكرنا بعض المؤلفات التي صدرت من المشروع، وهي ذات صلة بالاستشراق، مثل رحلة العياشي والدرعي (١).

وكانت العناية بالقضاء وتنفيذه على الجزائريين قد أدت بالإدارة


(١) سنتحدث عن لجنة اكتشاف الجزائر لاحقا.

<<  <  ج: ص:  >  >>