كان يعتقد أنهم يقفون في طريق تنصير المسلمين. وحانت الساعة بإعلان نابليون عن مشروع المملكة العربية في رسالته إلى المارشال بيليسييه، الحاكم العام، سنة ١٨٦٠. وكان المستوطنون ومؤيدوهم قد قاموا بحملة مسعورة ضد هذا المشروع، فقد رأوا فيه مخططا لرجوع الأمير عبد القادر والاستقلال الذاتي للجزائر تحت الحماية الفرنسية، كما رأوا فيه فشل مخطط الاندماج الذي كانوا يسعون إليه. فأرسلوا الوفود إلى فرنسا، وكتبوا الكتب والعرائض والرسائل والمقالات في الصحف. كل ذلك في غياب الأصوات الجزائرية. وعرض بافي على الكولون أن يكون هو المتكلم باسمهم. وكتب منشورا إلى القساوسة التابعين له جاء فيه أن رسالة فرنسا في الجزائر رسالة حضارية مقدسة، وإن قضية الكولون قضية عادلة. وأخذ بافي يركز على تكوين الموظفين للكنيسة وعلى أعمال الجمعيات الخيرية، أمام فشل الجزويت (اليسوعيين) الذين أرسلهم إلى زواوة (١).
وفي نهاية عهده سعى بافي إلى الحصول على فتح أسقفيتي وهران وقسنطينة. وقيل إن المارشال بيليسييه لم يؤيده في ذلك، لأن ثورة أولاد سيدي الشيخ كانت قائمة في الجهة الغربية منذ ١٨٦٤. كما كانت الجزائر تعيش مضاعفات مرسوم ١٨٦٣ الخاص بالأرض وانتزاعها من يد الأعراش وتمليكها للأفراد. لكن وفاة بيليسييه في السنة نفسها ١٨٦٤ جعلت بافي يغتنم فرصة زيارة نابليون الثانية للجزائر سنة ١٨٦٥ ويثير معه موضوع الأسقفية في وهران وقسنطينة. وكان البابا قد منح موافقته قبل ذلك. فوافق نابليون كذلك على طلب بافي يرفع مستوى الأسقفية، وحدثت أزمة دبلوماسية بين فرنسا والفاتيكان حول طلب بافي وموافقة البابا قبل موافقة الحكومة الفرنسية. ولكن موت بافي المفاجئ أنهى الأزمة. وترشح لمنصبه بعض القساوسة، منهم كلود بافي، أخو السابق، ولكنه أحرز على أقلية من الأصوات، وحصل قاستلتي على الأغلبية، لكن ظلت المنازعات بينهما، إلى
(١) مارسيل ايمريت (تنصير المسلمين في الجزائر) في (المجلة التاريخية) ١٩٦٠، ص ٦٦. حين مات بافي سنة ١٨٦٦، دفن في كنيسة السيدة الافريقية.