الأطفال كانوا يموتون بكثرة بمعدل عشرة أو خمسة عشر نتيجة الأوبئة المنتشرة. وفتح في الملاجئ بعض الورشات ليعلم البنات الخياطة والتدبير المنزلي واللغة الفرنسية، أما الأولاد فكانوا يتعلمون الأعمال اليدوية. وقد أرسل حوالي ٣٠٠ منهم إلى مرسيليا أيضا.
ثم حدث الخلاف على مصير الأطفال الأيتام. كان مخطط لافيجري هو تنصيرهم وإبقاءهم عنده أو تحت إشراف كنيسته وإقامة قرى خاصة بهم تسمى (القرى العربية/ المسيحية) على غرار ما عاشه هو في المشرق. وفي هذه القرى تتكون أسر جديدة من جيل هو من صنع لافيجري، حيث يقع تزويج البنات والبنين، وتتكون نواة لجالية يسوعية جزائرية تحت المظلة الفرنسية على غرار ما وقع في لبنان. لكن المسؤولين السياسيين كانوا ينظرون إلى أن ما قام به لافيجري أثناء المجاعة إنما يدخل في باب الخدمات الخيرية والأعمال الانسانية. وكان أقارب أولئك الأيتام يطالبون بعودتهم إلى قبائلهم وذويهم. ولكن لافيجري كان يتحدى الجميع وينفذ مشروعه.
وجرت مراسلات لا نطيل بذكرها بين الحاكم العام (ماكماهون) ولافيجري من جهة والسلطات الفرنسية من جهة أخرى. فكتب ماكماهون رسالة إلى مجلس الدولة أعلمه فيها أن لافيجري أصبح يهدد مصالح فرنسا لأن الجزائريين ستثيرهم دعايته الدينية، وإن ادعاءه بأنه هو الذي أنقذ الناس من المجاعة غير صحيح لأن المكاتب العربية والإدارة الصحية والجنود قد ساهموا في ذلك أيضا (١). وقال ماكماهون إننا في الجزائر في حاجة إلى رجل حكيم وليس إلى رجل متنبي. ومن جهته كتب لافيجري رسالة يقول فيها إن العرب لم تعد لديهم القوة للثورة. واتهم لافيجري إدارة ماكماهون بأنها تخفي الحقيقة عن نابليون. ويبدو أن رد نابليون كان في صالح ماكماهون إذ قال للافيجري: عليك بتربية ووعظ الأوروبيين، أما العرب
(١) المعروف أن الجزائريين كانوا يساعدون بعضهم البعض كمواطنين وكقادة. انظر حياة الباشاغا المقراني، وأسباب ثورة ١٨٧١.