للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاتركهم للحاكم العام يعودهم على الهيمنة الفرنسية (١). ولكن هذا الجواب لم يكون حاسما، إذ سرعان ما جاء الضوء الأخضر من نابليون إلى لافيجري أيضا.

أما رد لافيجري على الجزائريين المطالبين بأبنائهم وأقاربهم فكان ردا عنيفا. فقد قال إنه يريد تنصير كل افريقية. ثم أخذ يهاجم، كسلفه، بافي، الاسلام، معتبرا إياه المسؤول الأول على البؤس الذي كان يعانيه الشعب الجزائري ماديا ومعنويا. وقد أرسل رسالة إلى مدير مدارس الشرق، قال فيها يجب تخليص هذا الشعب، ويجب التوقف على إبقائه في قرآنه كما كان الحال في الماضي، وهو ما يزال معمولا به إلى اليوم في مملكة عربية مزعومة (٢). وقال لافيجري يجب على فرنسا أن تترك الحرية للمنصرين ليدمجوا الشعب الجزائري في حياة الفرنسيين أو أن تطرد هذا الشعب نحو الصحراء بعيدا عن العالم المتحضر. ولم تكن هذه الرسالة من لافيجري رسالة عادية، بل إن الصحف المحلية قد نشرتها، وتعرف الجزائريون على الجواب منها فيما يتعلق بهم وبأبنائهم. وقد حدثت بعد ذلك مبادلات كلامية بين ماكماهون ولافيجري حول أثر هذه الرسالة على السكان المسلمين (٣).

قلنا إن تدخل نابليون بين ماكماهون ولافيجري لم يكن حاسما. ذلك أن الأخير لم تثنه رسالة نابليون التي قال له فيها عليك بترك العرب للحاكم العام والعناية فقط بالأوروبيين ووعظهم. فقد ذهب لافيجري شخصيا إلى باريس وقابل الامبراطور، وترك هذا لافيجري يفهم أنه ليس ضد مشاريعه في الجزائر، وإن ذلك يعني تأييد نابليون له. ونفس الموقف أبداه منه وزير الحربية المارشال نيل. ونحن هنا أمام غموض ما مثله غموض، فالكتاب


(١) ايمريت (تنصير ..)، مرجع سابق، ص ٧٧. أيضا بيلي (عندما أصبحت ..) مرجع سابق، ص ٢٨٩.
(٢) إشارة إلى مشروع نابليون الثالث الذي تحدثنا عنه.
(٣) ايمريت، (تنصير ..) مرجع سابق، ص ٧٥. ولعل رسالة ابن علي الشريف السابقة كانت من وحي سياسة لافيجري هذه.

<<  <  ج: ص:  >  >>