خلالها تخاطب الجزائريين، تتفادى الحديث عن الكنيسة ونشاطها والتنصير الجاري في مختلف أجزاء البلاد خلال عهد دوبوشں وبافي ولافيجري. وكانت لا تتحدث، إذا لزم الأمر، إلا عن العلاج والملاجئ وأعمال الاحسان. مثلا في أوج المجاعة سنة ١٨٦٨ قالت إن مطران الجزائر (تقصد لافيجري) قد أحدث عدة ملاجئ للأيتام في ابن سحنون (ابن عكنون)، والقبة والحراش وزغارة. وإن الملجأ الأول قد ضم ألف غلام عربي، وإن ملجأ القبة كان خاصا بالبنات (١). ومن الملاحظ أن الجريدة قد ذكرت ذلك سنة ١٨٦٩ أي بعد عام من قيام لافيجري بتجربته وبعد انهاء الأزمة، وكذلك قالت عنه انه تكفل بجميع المصاريف على تلك الملاجئ، مما يوحي للناس بأن الدولة الفرنسية لا دخل لها في موضوع الكنيسة ونشاط المطران الخيري.
لقد عارض الجزائريون حركة التبشير منذ البداية ورأوا فيها خطرا على هويتهم ودينهم. تحصنوا أولاد في بيوتهم فلم يرسلوا بأولادهم إلى مدارس الإدارة الفرنسية خوفا عليهم من التنصير والفرنسة المتلازمين. واحتجوا على تحويل المساجد إلى كنائس. وحين انتقل العمل الديني الفرنسي من المدن إلى الأرياف رأينا ردود فعل المناطق المعنية مثل زواوة والشلف والأغواط وورقلة. وكانت ثورة ١٨٦٤ ثم ١٨٧١ ترجعان جزئيا إلى توغل حركة التنصير وتحديها لمشاعر المسلمين. فقد لجأت هذه الحركة إلى استخدام وسائل الإغراء مستغلة حاجة السكان إلى العلاج والمساعدت الخيرية والتعليم، فنصبت الورشات والمصحات وبعض المدارس التي كانت مفيدة للأهالي. ولكنها كانت أفخاخا لاصطياد الضحايا الذين كانوا قلة من الناس. وكان رجال الكنيسة أنفسهم قد اعترفوا أن الناس كانوا يأخذون منهم دون أن يقعوا في حبائلهم. وكان للمرابطين ورجال الزوايا دور في رفض التنصير وابعاد اتباعهم، فكان المتصلون منهم بالسلطة الفرنسية يحتجون لديها وينذرونها بسوء العواقب، مثل ما فعل ابن علي الشريف. وأما غير المتصلين
(١) المبشر ١٦ ديسمبر ١٨٦٩ - والحديث عن سنة ١٨٦٨. يقول الباحث إبراهيم الونيسي إن المبشر لم تتحدث عن التنصير إلا في منتصف سنة ١٨٦٨. انظر رسالته.