للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الترجمة في المحاكم، سلبا وإيجابا، ولا سيما بعد أن استولى القضاء الفرنسي على القضاء الإسلامي، وتولت المحاكم الفرنسية جميع صلاحيات المحاكم الشرعية الاسلامية بالتدرج ابتداء من الخمسينات. وكان المترجمون يؤثرون في الأحكام الصادرة عن القضاة لأن بأيديهم أداة التعبير بين المتخاصمين. وقد أعطانا محمد بيرم الخامس صورة عن ذلك (١).

ونحن لا يهمنا هنا الجانب السياسي أو الديني من فرقة المترجمين القضائيين، ولكن يهمنا منها الجانب اللغوي والمعرفي. فقد كان هؤلاء مطلعين، في أغلب الأحوال، على الشؤون الثقافية والتاريخية للمواطنين، وكانوا يعرفون المصطلحات الواردة في اللغة القضائية، كما يعرفها اليوم المحامون والموثقون، بالإضافة إلى معرفتهم للمصطلحات الفرنسية. وقد قام بعضهم بترجمة النصوص أيضا، ودخلوا بذلك ميدان الاستشراق أو الاستعراب. وكانوا يخضعون في قبولهم وترقيتهم وتقاعدهم إلى تنظيم دقيق في العموم. وكانت المسابقات هي الطريق إلى ذلك.

أما المترجمون العسكريون فأول تنظيم جرى لهم كان سنة ١٨٤٢ (عهد بوجو) ففي هذا التاريخ تبين المسؤولون الخلل الذي أصاب هذه الفرقة التي كان ينتمي إليها كل من هب ودب. وكان النظام كله عسكريا، كما نعرف. وتألفت لجنة للاستماع إلى شكاوي المترجمين العاملين. ويقول فيرو إن اللجنة انتهت إلى (تطهير) الفرقة من العناصر غير الكفأة. وكذلك تحددت طريقة إجراء المسابقة لاختيار الأكفاء. ووضعت اللجنة برنامجا للامتحان ومشروعا كاملا للترقية. ولم ينفذ المشروع دفعة واحدة، بل على مراحل. كانت اللجنة برئاسة العقيد (يوجين دوماس)، وكان الكاتب للجنة هو لويس برينيه المستشرق المعروف (ورئيس حلقة اللغة العربية) ومن أعضائها أدريان بيربروجر وليون روش. وظلت اللجنة تواصل السهر على تنفيذ مشروعها خلال سنوات، فصدر في ١٨٤٥ قرار وزاري يوافق على عملها، ثم عدل


(١) انظر فقرة القضاء من فصل السلك الديني والقضائي.

<<  <  ج: ص:  >  >>