مسعود الجباري. فهو مثل أحمد بن مجقان، من خريجي مدرسة ترشيح المعلمين (النورمال). وكان يمتاز بالذكاء وازدواجية اللغة والطموح. ولد بنواحي عنابة، وبعد حصوله على الشهادة وظفه الفرنسيون في فرقة الخيالة وأصبح من المترجمين بعد ذلك في الترجمة العسكرية. ثم تولى الترجمة في ميدان القضاء منذ ١٨٨٧. وتجنس أيضا وشارك في أعمال الترجمة بتونس بعد احتلالها. وكان ظهوره قد صادف اهتمام الفرنسيين بالصحراء وعبورها إلى افريقية حيث السودان القديم. ولمؤهلاته جندته الجمعية الجغرافية الفرنسية في باريس للقيام بمهمة بأفريقية سنة ١٨٩٢. فتوجه إلى هناك متنكرا في زي خطاط الرمل وكاتب الحروز (الأحجبة).
وقد تجول الجباري في افريقية وبقي هناك حوالي سنتين بين لاقوس وأعالي النيجر. وادعى أنه جمع معلومات حيوية للجمعية وطالبها بدفع تكاليف أدلائه الأفريقيين ولكنها رفضت ذلك. وقيل إنه مرض وحاول الانتحار، وقضى أسابيع في أحد المستشفيات يتداوى من جروحه قبل رجوعه إلى تونس (مايو ١٨٩٤). وفي التقرير الذي كتبه ادعى للفرنسيين أنه أسس جمعية دينية سرية تمتد اثارها من السينيغال إلى أثيوبيا، وأنه عثر على قبر المستكشف كرمبل، وتعرف على أربعة أوروبيين مسجونين عند التوارق من بينهم فلاترز. وألقى الجباري محاضرة في معهد قرطاج (تونس) أعلن فيها هذه الأخبار المثيرة. فصدقه البعض وكذبه آخرون.
وبعد أن ذهب إلى الجزائر توجه منها إلى باريس. وفي باريس ألقى محاضرات أمام آلاف المهتمين عن بعثته المثيرة وعن مشاهداته فأثار العجب. وعينت الجهات الفرنسية بعثة أخرى لكي تتحقق من معلوماته سيما فيما يخص فلاترز. وكان الجباري صاحب قلم ولسان فصيحين. فأثر على الجمهور الباريسي بمنطقه. وكتب مقالات في بعض الجرائد وقدم أحاديث إلى أخرى، وذلك في خريف ١٨٩٥. وقد تبنت آراءه صحيفة (لوجور). واهتزت الحكومة العامة في الجزائر فأمر جول كامبون بفتح ملف للتحقيق في مسألة فلاترز. وأجرى الجباري مقالمة مع صحيفة (لو جورنال) وبعث برسالة