وتركوها مكتوبة. ولكن الفرنسيين كانوا ينتظرون الدعاية الشفوية (أو التلغراف العربي) كما يسمونه، فالكلمة المنطوقة تذهب من فم إلى فم ومن أذن إلى أذن. ولا حاجة إلى القلم والقرطاس في ذلك الوقت، سيما بعد أن انتشرت الأمية. فأهل المدن يحدثون من يساكنهم، وأهل الريف يحدثون جيرانهم، وهكذا يعم الجمع كنت فرنسا والسلام الفرنسي. ولكن هل ذلك هو ما وقع فعلا؟ إن كان بعض أصحاب الوفود قد حدثوا مواطنيهم بما شاهدوا فإن الأثر كان منعدما في الريف على الأقل حيث ظلت المقاومة مستمرة إلى عقد الثمانينات. وهذا لا يعني أن الفرنسيين لم يكسبوا أنصارا ولم ينجحوا في تكوين الخلية الاستغرابية - الاندماجية. فقد رجع محمد الشاذلي، وهو من المتعلمين البسطاء في علمهم ومن القضاة أيضا، رجع وهو معجب بباريس ونهرها ومسرحها وبرلمانها ونسائها حتى كاد يتزوج هناك من مجهولة الحسب والنسب، كما يقول أحد التقارير الفرنسية عنه. وهذا الإعجاب أورثه منصبا دائما، وهو إدارة مدرسة قسنطينة من إنشائها سنة ١٨٥٠ إلى وفاته ١٨٧٧ (١).
وهناك أمثال الشاذلي أيضا ممن سجلوا انطباعاتهم في (رحلات) ترجمها الفرنسيون في الحال، لأنها كانت تحقق الهدف المطلوب، وتبعث التأثير في القلوب، من ذلك رحلة محمد ولد القاضي التي يكفي عنوانها عن محتواها (الرحلة القاضية في مدح فرنسا وتبشير البادية). ورحلة سليمان بن صيام، ورحلة محمد السعيد بن علي الشريف. والثلاثة كانوا من الأعيان، وبعضهم كان من رجال الدين والزوايا أيضا، مثل ابن علي الشريف صاحب زاوية شلاطة. وكان ابن صيام من أعيان مليانة، متوليا أيضا للفرنسيين، ونفس الشيء يقال عن ولد قاضي الذي كان متوليا لهم على فرندة.
ولكي تتحقق الفائدة الأفضل أقدمت جريدة المبشر على نشر (الرحلات) أيضا ليقرأها القاصي والداني. وكان أصحاب الرحلات، على