والمؤامرة ثانيا. فأي علم أخذه في فرنسا في المدرسة المجهولة أو في مدرسة سان لويس؟ وماذا أفادت منه بلاده عندما أصبح مترجما عسكريا احتياطيا أو فارسا متطوعا تحت العلم الفرنسي؟ إن الفرنسيين كانوا يريدون تكوين (عملاء) لا علماء. وقد ظل زميل ابن رويلة، وهو علي الشريف الزهار إلى أن بلغ من الكبر عتيا، فماذا استفاد وأفاد؟ لقد أصبح مستشارا عاما بدون أية سلطة ولا تأثير في قومه، وأحرز على أوسمة غطت صدره، بينما كان وسام شابة الأشراف التي تتولاها عائلته منذ قرون يكفيه، وكان به ربما أكثر تأثيرا على قومه من الأوسمة الأخرى مجتمعة. ولكن أن العقل؟.
لقد رجع التلاميذ الآخرون، بعد حين، من فرنسا إلى ذويهم في الجزائر. وكان الفرنسيون يراقبون تأثرهم وتأثيرهم: كيف يجلسون: على الكراسي أو على الحشايا، وكيف يأكلون: بالملاعق أو بالأيدي، وكيف يتكلمون: بالعربية أو بالفرنسية، وماذا يلبسون: الملابس الفرنسية أو الملابس العربية. وهل تأثر بهم أصحابهم وذووهم أو بقوا في عزلة عنهم. وما إلى ذلك من ألوان الدراسة الاجتماعية والنفسية.
ودون اللجوء إلى خطف الأولاد واتخاذ الرهائن كانت المدن الجزائرية تتأثر بالحياة الفرنسية بالقوة أو بالاختيار، فالقوانين والإجراءات، والتغييرات في أسماء الشوارع، وترقيم البيوت، وفتح الساحات، وإنشاء الأحياء الجديدة، والعملة والمعاملات. ثم هناك الملابس والبضائع الأخرى، والمشروبات والمأكولات والمصنوعات وطراز البناء. كل ذلك أخذ الجزائريون يقلدونه بالتدرج. وهو ليس من العلوم ولا من التقنيات التي يحتاج المرء إلى تعلمها ولا يحتاج إلى الرسالة الفرنسية الحضارية لاتقانها. ومع ذلك ففي هذا الجو كانت تتكون نواة الاستغراب والاندماج. ولم تكن خاصة بالمدن بل كانت في الأرياف أيضا.