من كتاب هذا العهد إذن شيوخ اعتقدوا أنهم يدعون إلى العلم - كما تدعو إليه المبشر - ولكنهم كانوا يجهلون ما وراء ذلك. وقد كتب أحدهم يحبذ إدخال ملكية الأرض فرديا طبقا لمرسوم ١٨٦٣ ولم يدر أن في ذلك انتزاعا للأراضي من أصحابها عن طريق التحايل القانوني وتمليكها للكولون، وتحطيما لقواعد المجتمع. لا نستطيع أن نتهم أولئك المشائخ بأنهم كانوا (عملاء) للإدارة الاستعمارية، ولكن فقط نتهمهم بالجهل بخلفيات السياسة الاستعمارية وأبعادها. ألم يؤيد مشائخ: أمثالهم الحكومة العامة سنة ١٩٣٣ حين أصدرت منشور ميشيل بغلق المدارس الاصلاحية؟ ألم يدعم مشائخ وآخرون فرنسا سنة ١٩١٤ ضد الدولة العثمانية؟ ألم يصفوا وفد المؤتمر الاسلامي سنة ١٩٣٦ بأنه كان يتدخل في السياسة ويتحدث عن الوطنية (الممنوعة؟) إن السلطات الفرنسية كانت تجد أمثال هؤلاء المشائخ في كل وقت يختمون على قراراتها ويصدرون لها الفتوى المناسبة. ومع ذلك فلا نستطيع أن نسمي هؤلاء جميعا بأنصار الاستغراب والاندماج، لأن هؤلاء الدعاة كانوا من الجهلة بالسياسة، أما الأنصار الحقيقيون للاندماج فهم طائفة أخرى.
- مصطفى بن السادات: ابتداء من سنة ١٨٦٤ بدأ يظهر اسم مصطفى بن السادات على صفحات جريدة المبشر. وهو إسم لا نعرف عن صاحبه أي شيء غدا ما كتبه بنفسه، وبعض الوظائف التي تولاها، أو تردد اسمه في بعض الوثائق الرسمية. إننا نعرف عنه أنه كان بالمدرسة الشرعية - الفرنسية (الكتانية) التي أسسها الفرنسيون في قسنطينة (١)، وكانت المدرسة بإدارة محمد الشاذلي، وكانت كتابة ابن السادات في المبشر تحث الجزائريين على تعلم العلم عموما والعلم الفرنسي خصوصا وباللغة الفرنسية بالذات. وكان يطلب منهم ألا يخافوا ولا يترددوا في إرسال أولادهم إلى المدارس الفرنسية
(١) المدرسة الكتانية تأسست في عهد صالح باي في آخر القرن الثامن عشر. وقد تحدثنا عنها في غير هذا. وقد أبقى عليها الفرنسيون وجعلوها مقرا للمدرسة الشرعية سنة ١٨٥٠.