القديمة. لم يدرس إسماعيل حامد الأسباب ولكنه وصف الواقع. ولم يدع إلى النهضة العربية الإسلامية بثورة عن الذات والرجوع إلى الأصول والاستفادة من حضارة الغرب، وإنما دعا إلى الانطلاق من الحاضر، أي مما وصل إليه التأثير الفرنسي المتزايد في المجتمع الجزائري، مطبقا للمخططات الفرنسية نفسها. ذلك أن هذه المخططات كانت تهدف منذ ١٨٣٠ إلى الوصول إلى هذه النتيجة، وهي أن يتنكر الجزائري نفسه لماضيه وأن يستلب من هويته ويذوب في هوية أجنبية عنه دون شعور منه بذاته. ورغم معاصرة إسماعيل حامد لمدرسة الشيخ محمد عبده وزيارته للجزائر ١٩٠٣، وتأثيره في أمثال محمد بن مصطفى خوجة وعمر راسم وعبد الحليم بن سماية، فإنه (أي حامد) كان يبدو بعيدا عن التأز بهذه المدرسة الاصلاحية (الشرقية). وكل ما كان يعنيه هو وصف ما آل إليه المجتمع الجزائري، في نظره، من التأثير الفرنسي واستعداده للدخول في (الحرم والاحترام) الفرنسي، حسب تعبير جريدة المبشر.
استقبل كتاب إسماعيل حامد بآراء مختلطة من الفرنسيين، ولكن معظمها تحبذ استنتاجه، سيما من أولئك الذين يؤمنون بدور النخبة المستغربة في دمج المجتمع الأهلي في البوتقة الفرنسية. راجعت الكتاب مجلة (أفريقية الفرنسية) فتساءلت: هل المسلمون الجزائريون يمكن تمهيرهم (من المهارة)؟ وهل هم قابلون للاندماج؟ وهل سيقتربون منا ذات يوم؟ ثم قالت: إن هذه الأسئلة هي التي شغلت الرأي العام كثيرا هذه الأيام، فاعتقد المستوطنون (الكولون) العارفون منذ أمد طويل بعقلية الإنسان (الأهلي) أن هذا الإنسان لا يمكن تصحيحه وليس له قابلية في الاندماج والتقدم، لأنه متعصب ومعارض لكل تقدم. وهذا الحكم ما يزال شائعا اليوم. ولكن إسماعيل حامد، حسب (أفريقية الفرنسية)، وهو أهلي أصلا ومثقف بالفرنسية ومترجم ... يقول إن هذه الفكرة متعجلة ومؤسفة. فقد قال إنه أصبح في الجزائريين من يكتب بالفرنسية مثل محمد بن رحال والطيب مرسلي، وأن من الجزائريين من أصبح محاميا وصحفيا ومترجما، وعسكريا،