للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تأت السبعينات حتى كاد الفرنسيون يستغنون عنهم تماما بتوظيف جيل آخر من غير الأكفاء الذين لا مؤهل لهم سوى الولاء لفرنسا وتقبيل اليد المتفضلة عليهم بالنعمة - إذا كانت نعمة!

ومن الوسائل التي حكم بها الفرنسيون وجود عدد كبير من المستوطنين (الكولون) الذين تقاطروا على الجزائر عبر العقود المختلفة، آخرها كان عقد السبعينات، بعد حرب ١٨٧٠. فقد أعلن الجيش الفرنسي منذ أول وهلة عن قناعته بالاستعمار، ثم ساندته حكومة باريس ومختلف الوزارات المتعاقبة سواء في عهد مملكة يوليو، أو الجمهورية الثانية أو الامبراطورية الثانية أو الجمهورية الثالثة. وكلهم أعلنوا عن إغراءات مفرطة لتحويل أنظار المهاجرين الفرنسيين والأوروبيين من الاتجاه إلى أمريكا إلى الاتجاه نحو الجزائر، بلاد الشمس والبحر، كما يسميها ألبير كامو، وهي البلاد القريبة من أوروبا بحيث لا يحتاج المهاجر إلى قطع البحار، والتعرض للأخطار، وهي بلاد الفرص الذهبية حيث الأرض الخصبة بالمجان والمساعدات المالية وحماية الجيش لهم من (اعتداءات العرب). لقد أصبح المستوطنون الذين جاؤوا من كل فج والذين كان نصفهم تقريبا فرنسيا أصلا ونصفهم أوروبيا متفرنسا - هم العمود الفقري في إدارة الاحتلال وفي اقتصاد الجزائر وتجارتها وتعميرها لصالحهم. كما أصبحوا هم أداة الحضارة أو إنجاز ما سمي بالمهمة الحضارية الفرنسية. وكان لهم نواب ابتداء من عهد الجمهورية الثانية، في الجزائر وفي فرنسا، ولهم صحافة ومسارح وكنائس، ولهم نمط عيشهم الخامس، فقد نقلوا معهم النموذج الفرنسي - الأوروبي إلى الجزائر، وأصبحت كل مدينة تعيش بوجهين وجه عربي مسلم يعبر في نظر الفرنسيين عن القدم والخمول والتخلف، ووجه فرنسي - أوروبي يعبر عن الجدة والنشاط والحياة، أو حي ميت وحي حي (١). فالتفوق الفرنسي يظهر في العمران وتخطيط المدينة قبل أن يظهر في اللغة والجيش والنظام الاقتصادي


(١) انظر ما كتبه جيمس مالركي عن قسنطينة في مجلة (روكاي) في كتاب (معرفة المغرب العربي)، إشراف كلود فاتان ١٩٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>