فرنسا نفسها هي التي صادرت أوقافه وهدمت مساجده وزواياه وبعثرت حتى عظام موتاه على مرأى ومسمع من السكان؟ وأي احترام للإسلام إذا كانت شريعته لا تطبق في القضاء، ولغته لا تدرس في المدارس، وقرآنه لا يتلى إلا على الأموات، وأيمته ومفتوه يعينهم أمثال لوسياني أو ميرانت؟
ولنستمع إلى بقية (المكرمات) الفرنسية، كما يذكرها الدكتور وارنييه، دون الرد عليها، لأنها جميعا مخالفة لما حدث تاريخيا. قال: إن عدل فرنسا أرحم معهم (الجزائريين) من عدل غيرها رغم كثرة تحدياتهم لها - يقصد الثورات الخ - وأن فرنسا قد أعطتهم التعليم أكثر من حاجتهم إليه (؟)، وأنها فتحت أمامهم الوظائف المدنية (في الجزائر، لأنهم لا يتوظفون في فرنسا رغم أنهم فرنسيون)، كما فتحت أمامهم الرتب العسكرية في الجيش الفرنسي. وأضاف أن فرنسا جعلتهم ملاكين للأراضي التي كانت ملكا للدولة (وهو يقصد أرض الأعراش الجماعية، وهو يعتقد أن الأرض ما دامت عرشية فهي للدولة!). ثم ذكر وارنييه أن بلاده قد أبقت الكولون تحت نظام استثنائي - يعني الحكم العسكري كالجزائريين - احتراما لمؤسسات الأهالي السياسية والإدارية. وأخيرا ذكر وارنييه أن بلاده كانت تصرف حوالي ٢١ فرنكا للمحافظة على الأمن بين قبائل الجزائريين بينما لا تجني منهم في شكل ضرائب إلا حوالي ثلث ذلك المبلغ (١).
كان أليكسيس دي طوكفيل من المنادين بالاستعمار أيضا ولكن كان له تفسيره الخاص وحتى نقده. فقد زار الجزائر على الأقل مرتين، سنة ١٨٤١ وسنة ١٨٤٦، ولكن اهتمامه بها يرجع إلى سنة ١٨٣٣، وكتب عنها التقارير والمذكرات وشارك في إحدى اللجان البرلمانية التي درست أحوالها. وكان له مشروع إقامة (دمينيون) بالجزائر، لكنه لم ينجح فيه. وقد أيد الاستعمار وتوزيع الأراضي ومواصلة الحرب في الجزائر، بل أيد حملات بوجو
(١) الدكتور وارنييه (الجزائر أمام الامبراطور)، ١٨٦٥، المقدمة.