للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجزائر تقوم على اللباقة والخيرية والصرامة. وقد عرف عنه أنه كحاكم فرنسي، سلك سياسة أهلية جديدة تقوم على تطوير الجزائر كما هي، ولكن داخل القالب والسيادة الفرنسية (١). ولم تسلم سياسته أيضا من الميكيافيللية التي تحدث عنها لويس فينيون، فقد لجأ جونار إلى عدة إجراءات لتمزيق وحدة الجزائريين اللغوية والعرقية، وسار في ركب الكولون والمستشرقين الذين كانوا يقدمون إليه النصائح ويضغطون عليه أيضا.

وقد علق لوشاتلييه على سياسة جونار عندئذ ورآها سياسة لا تنفع فرنسا. ذلك أن كل حاكم عام كان يبدأ بمجرد تعيينه (بالتمسح) للكولون، محاولا كسب ودهم وتأييدهم، بينما كانت مصلحة فرنسا العليا، تقتضي الموازنة بين الفرنسيين (الكولون) والجزائريين، حسب تعبير لوشاتلييه. ومن رأيه أنه لم يكن للجزائريين أي صوت يعبر عن رغابتهم. ولذلك على فرنسا أن تتبع نحوهم سياسة نشطة في التقدم الاقتصادي والاجتماعي، مع اتباع العدل حيث لا تحل الرحمة والخيرية محل الحق ولا الصرامة محل التفاهم. وكان لوشاتلييه قد تخصص في علم الاجتماع الإسلامي، وقام بتدريسه في الكوليج دي فرانس، وألف أعمالا عن الطرق الصوفية وأشرف على (مجلة العالم الإسلامي). ومن موقعه هذا رأى أن سياسة اللباقة والخيرية والصرامة التي أعلن عنها جونار كانت لا تكفي في الجزائر (الفرنسية) لكسب ثقة الجزائر (الإسلامية) (٢).

وقد لخص شارل تيار تطور الرأي العام الفرنسي نحو الجزائريين كما ظهر في مختلف الكتابات، وكان هذا الرأي يتراوح بين - ١ - إبعاد الأهالي أو القضاء عليهم تماما كما فعل الأوروبيون في أمريكا مع الهنود الحمر، أو - ٢ - إدماجهم بالقوة أو بالتدرج عن طريق القوانين واللغة في النظام والمجتمع الفرنسي، أو - ٣? إهمالهم وعدم الالتفات إليهم. ولم يكن


(١) انظر رأي دي طوكفيل، سابقا.
(٢) الفريد لوشاتلييه (التوقيع هو A.L.C) في مجلة العالم الإسلامي، مارس ١٩٠٨، ص ٦٠٩ - ٦١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>